يبرز مشروع الربط الكهربائي بين مصر والسعودية كجسر للطاقة وأفق للتعاون العربي، فهو ليس مجرد مشروعاً تقنياً لربط الشبكات، بل حلم اقتصادي يطمح إلى تحقيق تكامل عربي في قطاع الكهرباء، ويمهد الطريق لسوق مشتركة تعزز أمن الطاقة وتخفض التكاليف، مع وعود بمستقبل أكثر إشراقاً لقطاع الطاقة في المنطقة. فهل سيصبح هذا الربط المفتاح الذي يفتح أبواب «السوق العربية المشتركة» أمام واقع جديد من التنافسية والتعاون؟ أم أن الطريق لا يزال مليئاً بالتحديات؟
تُعلّق مصر آمالاً كبيرة على مشروع الربط الكهربائي مع السعودية كخطوة أساسية نحو إنشاء «السوق العربية المشتركة للكهرباء»، الذي تعدّه «النواة الأولى» لتوسيع نطاق التعاون الكهربائي العربي الشامل تحت رعاية جامعة الدول العربية.
ويُعقد في القاهرة، اليوم الأحد، الاجتماع الخامس عشر للمجلس الوزاري العربي للكهرباء، بحضور ممثلين عن 22 دولة عربية، وأفادت وزارة الكهرباء المصرية بأن الحدث سيشهد توقيع اتفاقيتين مهمتين لتعزيز التعاون العربي في مجال الكهرباء، ما يُعدّ أحد أبرز المشروعات التكاملية على المستوى العربي.
ويرى خبراء أن هذا المشروع سيسهم في تعزيز أمن الطاقة للدول العربية، وتخفيض تكاليف الكهرباء، إلى جانب تحسين التنافسية في تقديم الخدمات الكهربائية، مما يُساعد على رفع كفاءة الإنتاج.
وكانت 16 دولة عربية قد وقّعت في عام 2016 مذكرة تفاهم لتأسيس سوق عربية مشتركة للكهرباء، تحت مظلة الجامعة العربية، ودخلت هذه الاتفاقية حيز التنفيذ في نيسان/أبريل 2017، بدعم فني ومالي من البنك الدولي، ضمن خطة زمنية تستهدف اكتمال المشروع بحلول عام 2038.
اقرأ أيضاً: اتفاقية ربط كهربائي ما بين السعودية والهند
وأعلنت وزارة الكهرباء المصرية أن الاجتماع سيشهد توقيع اتفاقيتين أساسيتين لتأسيس السوق العربية المشتركة للكهرباء، الأولى تتضمن الأهداف العامة والمبادئ الإرشادية لتطوير السوق، والثانية تحدد آلية تنفيذ الالتزامات المتعلقة بالجوانب القانونية والتجارية وتنظيم عمل السوق.
وأكد وزير الكهرباء المصري، محمود عصمت، على أهمية استكمال مشروعات الربط الكهربائي المشترك لتفعيل السوق العربية المتكاملة، ووصف مشروع الربط الكهربائي بين مصر والسعودية، الذي يُتوقع تشغيله صيف العام المقبل، بأنه «حجر الأساس» للربط الكهربائي الشامل في المنطقة العربية.
وتعود بداية المشروع إلى عام 2012، عندما وقّعت مصر والسعودية اتفاقية تعاون لإنشاء خط ربط كهربائي بتكلفة بلغت 1.8 مليار دولار، وصرّح رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، بأن خط الربط سيدخل حيز التشغيل في أيار/مايو أو حزيران/يونيو المقبلين، بقدرة إنتاجية تصل إلى 3000 ميغاواط على مرحلتين.
واعتبر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، المشروع نموذجاً يحتذى به للتعاون الإقليمي في مجال الطاقة، معرباً عن أمله في تطبيق تجربة الربط الكهربائي المصري – السعودي في مشروعات مماثلة مستقبلاً.
من جهته، أوضح حافظ سلماوي، الرئيس السابق لجهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك، أن مشروع السوق المشتركة يعتمد بشكل أساسي على خطوط الربط الكهربائي بين الدول المشاركة، وأشار إلى أن الربط المصري مع السعودية والأردن يشكّل نقطة انطلاق عملية لتفعيل السوق، مع إمكانية توسعها لتشمل دولاً عربية أخرى.
وأكد الخبراء أن هذا المشروع سيُسهم في استقرار إمدادات الكهرباء للدول العربية من خلال الاستفادة من فائض الإنتاج في بعض الدول لسد احتياجات الدول التي تواجه عجزاً، ما يُساعد على تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري مثل الغاز والمازوت.
اقرأ أيضاً: معرض الطاقة الشمسية 2024
كما ستُسهم السوق المشتركة في فتح آفاق جديدة للمنافسة بين منتجي ومستهلكي الكهرباء، سواء من الجهات الحكومية أو القطاع الخاص، داخل الدول العربية.
وفيما يتعلق بالتحديات، أشار جمال القليوبي، أستاذ الطاقة بالجامعة الأمريكية في القاهرة، إلى ضرورة توفير البنية التحتية اللازمة لدعم خطوط الربط الكهربائي وتوفير التمويل اللازم لتنفيذ المشروع ومراحله المتعددة، وشدّد على أهمية المتابعة الدائمة لضمان تحقيق الأهداف المرسومة.
وتسعى مصر، ضمن خططها التوسعية، إلى تنفيذ مشروعات للربط الكهربائي مع دول مجاورة، مثل الأردن والعراق وليبيا والسودان، إضافة إلى مشاريع مع قبرص واليونان، لفتح سوق تصدير للكهرباء مع أوروبا، ما يعزز مكانتها الإقليمية في قطاع الطاقة.