في زوايا وادي الطائف الهادئة، تنمو ورده رقيقة تجذب عاشقي الجمال وتأسر القلوب، إنها وردة الطائف، ذات الألوان الزاهية والعطر الفواح، التي تروي قصصاً من تاريخ عريق وثقافة غنية، فمع كل بتلةٍ تتفتح، تروي هذه الوردة حكاية عن جهود المملكة في حماية تراثها الثقافي غير المادي، وضمان استدامته للأجيال القادمة، فقد عبرت الوردة حدود الوادي والجبل، محملةً برائحة الفخر والعزيمة، إلى قائمة التراث الثقافي العالمي لليونسكو.
أعلن عن هذه اللحظة التاريخية، الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، وزير الثقافة ورئيس مجلس إدارة هيئة التراث ورئيس اللجنة الوطنية السعودية للتربية والثقافة والعلوم، حيث تم تسجيل «الممارسات الثقافية المرتبطة بالورد الطائفي» في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو».
وأكد الوزير أن هذا الإنجاز ما كان ليتحقق لولا الدعم اللامحدود الذي يقدمه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، والذي ساهم في تعزيز مكانة الثقافة السعودية على الساحة العالمية.
كما أفاد بدر بن فرحان بأن الورد الطائفي يتجاوز كونه منتجاً زراعياً، ليصبح رمزاً ثقافياً غنياً يحمل تاريخاً عريقاً ويعكس أصالة منطقة الطائف وكرم أهلها، وأضاف أن الاعتراف الدولي بالورد الطائفي يسهم في دعم رؤية المملكة 2030، التي تهدف إلى تعزيز التراث الوطني وإبراز هويته.
اقرأ أيضاً: ثلاث مدن سعودية على قائمة اليونسكو بسبب مخبوزاتها
وقد سُجِّلت وردة الطائف ضمن ملف وطني مشترك قادته هيئة التراث، بالتعاون مع اللجنة الوطنية السعودية للتربية والثقافة والعلوم، والوفد الدائم للمملكة لدى اليونسكو.
هذا الإنجاز المميز يضع الورد الطائفي إلى جانب مجموعة من عناصر التراث الثقافي غير المادي التي تم تسجيلها سابقاً في القائمة التمثيلية لليونسكو، مثل العرضة السعودية، والمجلس، والقهوة العربية، والهريس، والصقارة، والقط العسيري، والنخلة، وحياكة السدو، والخط العربي، وحِداء الإبل، والنقش على المعادن، والبن الخولاني السعودي.
وفي هذا السياق، افتخرت هيئة التراث عبر حسابها الرسمي على منصة «إكس» بالورد الطائفي، الموروث الذي تناقلته الأجيال لأكثر من 150 عاماً، وشاركت قصة هذا الورد التراثية من خلال مقطع فيديو استعرض مقتطفات من هذه الحكاية الطويلة، مع تغريدة تقول: «هذه بعضُ الحكاية، ولا تزال القصة التراثية للورد الطائفي طويلة».
من جانب آخر، أعلن وزير الثقافة كذلك عن إدراج «الحناء» في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لدى اليونسكو، وذلك بالتعاون بين 16 دولة عربية، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، وشمل هذا الملف المشترك دولاً مثل الإمارات، الكويت، قطر، الجزائر، البحرين، مصر، العراق، الأردن، موريتانيا، المغرب، عمان، فلسطين، السودان، تونس، واليمن.
اقرأ أيضاً: «قرية الفاو» حكايات تاريخية منسية ترويها الصحراء
حكاية وردة الطائف
في مرتفعات جبال الهدا ووادي محرم وغزال، تزهر وردة الطائف بألوانها الجميلة وعبقها الفواح، ويمتد تاريخ زراعة هذا الورد لقرون، حيث يلتف سكان الطائف حول حقول الورود في موسم الحصاد، ليشكلوا لوحة فنية من التعاون والمحبة، ويصبح العمل في الحقول احتفالية تجسد الروابط الاجتماعية والثقافية العميقة.
وتعد منتجات الورد الطائفي، خاصة ماء الورد والزيوت العطرية، جزءاً أساسياً من المناسبات الاجتماعية والتقاليد المحلية، إذ تستخدم لتعطير المجالس وتقديم الضيافة، ما يعزز الروابط الاجتماعية بين الأفراد.
منذ نشأتها، لم تكن وردة الطائف مجرد نبات عابر في تاريخ المنطقة، بل ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بأبناء الطائف، فتربة المنطقة الخصبة وفرت لهم البيئة المثالية للعناية بها، وتوارثت الأجيال فن قطفه وتقطيره واستخراج دهنه وماءه، مستمتعين بتاريخ هذا الورد العريق في أجواء البرودة المعتدلة والطبيعة الجبلية الساحرة على قمة جبل غزوان.
وبفضل هذه العراقة، أصبح الورد الطائفي مصدراً لماء غسيل الكعبة المشرفة كل عام، كما يستخدمه العديد من شرائح المجتمع، بدءاً من الملوك إلى أشهر العائلات في الخليج.
لذا، أصبح الورد الطائفي رمزاً سياحياً جاذباً، حيث تُقام مهرجانات وفعاليات مميزة تحتفي بجماله، مثل مهرجان الورد الطائفي السنوي.
عموماً، منطقة الطائف هي مركز جذب للسياح بفضل تنوع متنزهاتها العامة مثل متنزه الردف، الذي يعد منصة مثالية لمهرجانات الورد، ومتنزهات الشفا والهدا ذات الطبيعة الساحرة، وقد أصبحت هذه المنتزهات مراكز حضرية رئيسة للاحتفال بمواسم الورد، حيث يجد الزوار فرصة لاكتشاف جمال وردة الطائف، فضلاً عن تسليط الضوء على الفرص الاستثمارية الواعدة في السياحة.
اقرأ أيضاً: متنزهان جيولوجيان سعوديان في سباق الجيوبارك العالمية