يشتهر اسم منطقة نجران بالزراعة التقليدية المتوارثة، حيث تلتقي فيها الطبيعة الخلابة مع الجهود الإنسانية لتحقيق الأمن الغذائي، وبفضل خصوبة تربتها واعتدال مناخها، تحول العمل الزراعي في نجران من مجرد مهنة أسلوب حياة يربط سكان المنطقة بأرضهم وتاريخهم.
هذه العوامل والمقومات الزراعية تعد أساساً رئيسياً في تعزيز وتطوير المشهد الزراعي في نجران، من خلال التجارب المبتكرة في مجال الزراعة الحديثة، أثبتت هذه العوامل فعاليتها في تحسين الإنتاجية، فقد انطلق المزارعون، مدفوعين بشغفهم وحبهم للمهنة، نحو ابتكار تجارب زراعية جديدة، حيث قاموا باستزراع أصناف متنوعة من الفواكه والحبوب والأشجار النادرة، وقد حققت هذه التجارب نجاحاً ملحوظاً، وساهمت في إنتاج غذاء صحي وآمن، خالٍ من المبيدات والأسمدة الكيميائية.
وتتميز منطقة نجران عموماً بإنتاج محاصيل متنوعة على مدار العام، إذ تشتهر بحمضياتها مثل البرتقال واليوسفي والليمون، فضلاً عن القمح والحبوب، كما يعرف البُر النجراني بأنواعه المختلفة، مثل السمّرا والصمّا والزراعي، بينما تعد التمور، بما في ذلك البياض والمواكيل والبرحي والخلاص والرطب، من أبرز منتجاتها، ولا تقتصر المحاصيل على ذلك، بل تشمل كذلك الخضار مثل الطماطم والخيار والباذنجان والكوسا والفاصوليا والبصل والورقيات.
اقرأ أيضاً: الزعفران وجهة السعودية لزراعة الذهب الأحمر
تجارب زراعية مبتكرة في نجران
وفي الآونة الأخيرة، اعتمد المزارعون في نجران على تقنيات مبتكرة في الزراعة، وكانت زراعة أشجار البن من التجارب المثيرة التي أظهرت نتائج واعدة بفضل الظروف المثالية التي توفرها المنطقة.
وتعليقاً على ذلك، يؤكد علي ظافر آل الحارث، الرئيس التنفيذي لجمعية البُنّ التعاونية بالمنطقة، أن شغفه بالزراعة هو الذي دفعه لخوض هذه المغامرة المثيرة، إذ تتمتع نجران بمزايا تساهم في نجاح زراعة البن، مثل خصوبة تربتها وتوفر المياه العذبة، إضافة إلى موقعها الاستراتيجي ضمن حزام القهوة العالمي، هذه العوامل مجتمعة جعلت من نجران نقطة انطلاق واعدة في عالم زراعة البن.
تبدأ قصة النجاح في زراعة البُنّ في نجران من تجربة آل الحارث التي انطلقت في عام 2022، عندما قام بزراعة 4 آلاف شتلة بُنّ، ومع مرور الزمن، شهدت المنطقة تحولاً ملحوظاً، إذ بلغ عدد مزارع البُنّ بحلول عام 2024 أكثر من 80 مزرعة تضم حوالي 100 ألف شجرة بُنّ ناشئة تتراوح أعمارها بين 3 إلى 6 سنوات.
تُزرع أشجار البُنّ في نجران طوال العام، باستثناء شهري يوليو وأغسطس، حيث تتفتح الأزهار في مارس وتبدأ عملية الحصاد في أكتوبر.
ولفت علي ظافر آل الحارث إلى الدور الحيوي الذي تلعبه الجمعية في الإشراف على مزارع البُنّ في المنطقة، إذ تقوم بتوجيه المزارعين من خلال تقديم الإرشادات اللازمة، كما تستضيف ورش عمل توعوية وتثقيفية بالتعاون مع فرع وزارة البيئة والمياه والزراعة.
تتولى الجمعية أيضاً مسؤولية عمليات المعالجة بعد الحصاد، حيث تضمن الجودة في التغليف والتسويق، ما يسهم في تعزيز إنتاج البُنّ المحلي وفتح آفاق جديدة أمام المزارعين.
اقرأ أيضاً: البن الجازاني أفخم أنواع القهوة في العالم
وفي تجربة مبتكرة أيضاً، حقق المزارع حمد آل عباس تقدماً رائعاً في ممارسات الزراعة العضوية، حيث بدأ رحلته قبل ست سنوات بإنتاج خضروات خالية من المبيدات الحشرية، ومع مرور الوقت، توسعت مزرعته لتشمل الفراولة ونبتة “الستيفيا” التي تتميز بأوراقها الغنية بالمركبات الطبيعية، وتشكل الستيفيا ثورة حقيقية على السكر المركب، إذ يمكن أن تتحول هذه النبتة بعد معالجتها إلى مادة تحلية طبيعية صحية ممتازة لمرضى السكري أو كل من يهتم بصحته.
تُحصد نبتة الستيفيا ثلاث مرات سنوياً، حيث تُجفف أوراقها بعيداً عن أشعة الشمس بعد الحصاد، ثم تُفصل يدوياً عن السيقان، تُنقل الأوراق بعد ذلك إلى خط الإنتاج عبر آلة مخصصة، ما يعكس الالتزام بالجودة والنقاء في كل مرحلة من مراحل الإنتاج.
اقرأ أيضاً: تعزيز الاستدامة يتصدر المشهد وهذه توصيات كوب 16
جهود وزارة البيئة لدعم المشهد الزراعي في نجران
من جانبه، أوضح المهندس مريح بن شارع الشهراني، مدير عام فرع وزارة البيئة والمياه والزراعة بالمنطقة، أن الوزارة تبذل جهوداً كبيرة لدعم المزارعين العضويين وتسهيل تسويق منتجاتهم، حيث تقدم لهم الإرشاد الزراعي وتساعدهم في الحصول على مدخلات الإنتاج العضوي، إضافة إلى استزراع الأشجار المحلية والنباتات النادرة، كما تشجع الوزارة الممارسات الإنتاجية الخالية من الأسمدة والمواد الكيميائية، بهدف إنتاج أغذية صحية ذات جودة عالية.
وأشار الشهراني إلى أن الفرع، بتوجيهات من الوزارة، ينظم ورش عمل ومحاضرات وندوات وبرامج توعوية لتسليط الضوء على مفهوم الزراعة العضوية والممارسات الزراعية وفق معايير الإنتاج العضوي، وكذلك المدخلات المسموح بها في هذا النوع من الزراعة.
أما مركز أبحاث تطوير البستنة في منطقة نجران، فيعمل على تعزيز زراعة المحاصيل ذات القيمة العالية، مع التركيز خصوصاً على المحاصيل البستانية، ويسعى المركز إلى توفير شتلات الحمضيات والفواكه الأخرى الخالية من الأمراض، ليساهم في تحسين جودة الإنتاج الزراعي.
كما يلعب المركز دوراً حيوياً في تقديم التقنيات الزراعية الحديثة والإرشاد الزراعي المناسب، ويركز على توعية المزارعين بأفضل الممارسات للحفاظ على أشجار الحمضيات المميزة التي تشتهر بها المنطقة.
وتستمر رعاية المشهد الزراعي في نجران كأولوية ملحة، حيث يلتقي شغف المزارعين برؤية السلطات لتحقيق مستقبل مستدام للأمن الغذائي والنمو الاقتصادي، ومن خلال تبني التقنيات الحديثة والممارسات البيئية الفعالة، يتم تعزيز الأمن الغذائي وتحقيق التوازن مع البيئة.
اقرأ أيضاً: 4 دراسات تصدرت المشهد في منتدى الرياض الاقتصادي