بات العمل الحر قوة دافعة رئيسية للنمو الاقتصادي في المملكة العربية السعودية، إذ يساهم بقوة في تعزيز الاقتصاد الوطني، ويوفر هذا النمط من العمل للأفراد مرونة كبيرة في خيارات التوظيف، لذا فهو خيار مرغوب في ظل التحولات العالمية في ثقافة العمل وتغيرات سوق العمل.
نمو ملحوظ في قطاع العمل الحر في السعودية
وقد شهد قطاع العمل الحر في المملكة العربية السعودية طفرة ملحوظة مؤخراً، بدعم من وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية التي أطلقت منصة “عمل المستقبل” في عام 2019، والهادفة إلى تعزيز منظومة العمل الحر من خلال الترويج لأساليب العمل الحديثة، مثل العمل عن بُعد وساعات العمل المرنة.
وتسعى منصة “عمل المستقبل” إلى بناء قوة عاملة ديناميكية تتكامل مع نظام التوظيف التقليدي، ما يضمن مواكبتها للتطورات العالمية ويعزز تحقيق أهداف رؤية السعودية 2030، في مبادرة شاملة تهدف إلى تنويع سوق العمل في المملكة، من خلال دمج فرص العمل الحر ضمن الاقتصاد الوطني.
اقرأ أيضاً: أفضل أماكن العمل في السعودية لعام 2024
وقد كشف تقرير حديث صادر عن شركة Future Work عن النمو المذهل لقطاع العمل الحر في المملكة العربية السعودية، فبحلول سبتمبر 2024، تم تسجيل أكثر من 2.25 مليون فرد على منصة العمل الحر، ويتماشى هذا الاتجاه مع خطط التنويع الاقتصادي الأوسع في المملكة، حيث أصبح العاملون المستقلون جزءاً لا يتجزأ من المشهد العمالي، لا سيما في القطاعات التي تتطلب المرونة والقدرة على التكيف.
وأوضح التقرير أن 38% من العاملين المستقلين نشطون في قطاعي التجارة والتجزئة، تليهم 13% في الصناعة و11% في خدمات الأعمالن هذا التوزيع القطاعي يعكس مرونة العمل الحر واتساع نطاقه، مع وجود فرص تتوزع على الصناعات المختلفة، ما يتيح التكيف السريع مع احتياجات السوق المتغيرة.
كما أن سهولة الدخول إلى سوق العمل الحر تعد عاملاً رئيسياً آخر في هذا النمو، حيث يحمل 62% من العاملين المستقلين درجات البكالوريوس، بينما 31% لديهم تعليم ثانوي أو أقل، و7% يحملون مؤهلات عليا. هذه الحقائق تعزز من مكانة العمل الحر باعتباره خيار جذاب ومتاح لفئات واسعة من المجتمع.
اقرأ أيضاً: تخصصات المستقبل في السعودية: احتياجات سوق العمل ورواتب عالية
إلى جانب ذلك، تلعب التكنولوجيا دوراً محورياً في دفع نمو قطاع العمل الحر، إذ أصبحت المنصات الرقمية عنصراً أساسياً لا غنى عنه للعاملين المستقلين، لا سيما في مجالات مثل التكنولوجيا والمعلومات والتمويل، هذه الأدوات الإنتاجية تعزز الاتصال بين الأفراد، وتسهم في تحقيق الاستدامة والنجاح في المهن المستقلة.
أما من حيث التوزيع الجغرافي، تتصدر الرياض قائمة المناطق في المملكة من حيث أعلى تركيز للعاملين المستقلين، حيث تبلغ نسبتها 27%، تليها مكة المكرمة بنسبة 22%، والمنطقة الشرقية بنسبة 14%، وقد شهدت هذه المناطق نمواً ملحوظاً في نشاط العمل المستقل، مدفوعاً بتطورات حضرية متسارعة، وفرص اقتصادية واعدة، إضافة إلى الرقمنة المتزايدة للخدمات.
بالنسبة للفئات العمرية، فإن الفئة العمرية 25-34 هي الأنشط في مجال العمل الحر، ولا يقتصر هذا الاتجاه على الرجال فقط، بل إن النساء أيضاً يحققن تقدماً ملحوظاً في دخول سوق العمل المستقل، إذ يكشف التقرير أن 3.2 مليون امرأة أبدين اهتمامهن بالعمل الحر، ما يعكس نجاح المبادرات الأخيرة التي تهدف إلى تمكين المرأة في القوى العاملة وتمكينها من تحقيق توازن أفضل بين حياتها المهنية والشخصية.
وتعد المساهمة الاقتصادية للعاملين المستقلين بارزة أيضاً، إذ ساهم هؤلاء بنحو 72.5 مليار ريال سعودي في الاقتصاد الوطني خلال عام 2023، ما يمثل حوالي 2% من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة العربية السعودية، هذه الأرقام تبرز الأهمية المتزايدة لقطاع العمل الحر في تنويع مصادر الدخل وتعزيز جهود التحول الاقتصادي في المملكة.
لا بد من الإشارة، إلى أن المبادرات الحكومية، مثل برنامج ريف، وبنك التنمية الاجتماعية، وصندوق تنمية الموارد البشرية، لعبت دوراً حاسماً في تقديم الدعم المالي وتعزيز بيئة مواتية للعاملين المستقلين، فقد صُمِّمت هذه البرامج لمساعدة العاملين المستقلين على النجاح من خلال توفير الوصول إلى الموارد اللازمة، والتدريب، وفرص التمويل.
اقرأ أيضاً: دور السعودية في عملية انتقال الطاقة في المنطقة
تحديات العمل الحر في السعودية
على الرغم من النمو الملحوظ الذي شهده العمل الحر في المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة، يحمل العمل الحر تحديات عدة قد تعيق نجاح العاملين المستقلين، ومن أبرز هذه التحديات عدم الاستقرار المالي، حيث يحتاج الأفراد إلى وقت لبناء قاعدة عملاء وتوليد دخل ثابت، إضافة إلى ذلك، يفتقر العمل الحر إلى الأمن الوظيفي الذي توفره الوظائف التقليدية، ما يعني أن الدخل ليس مضموناً، وقد يواجه المستقلون صعوبة في العثور على فرص عمل خلال فترات الركود.
كما أن الوصول إلى التمويل والموارد يمثل عقبة كبيرة، إذ يواجه الكثيرون صعوبة في الحصول على القروض أو الدعم اللازم لتنمية أعمالهم، وتتردد البنوك والمستثمرون في إقراض الشركات الصغيرة، ما يزيد من التحديات أمام رواد الأعمال.
اقرأ أيضاً: مستقبل الوظائف في السعودية.. ما هي التخصصات الأكثر طلباً؟
كيف نتغلب على تحديات العمل الحر في السعودية؟
للتغلب على تحديات العمل الحر في السعودية، من الضروري وضع خطة عمل واضحة تحدد الأهداف والسوق المستهدفة والتوقعات المالية، للمساعدة على البقاء في المسار الصحيح.
وفي عالمنا الرقمي، يعد بناء حضور قوي على الإنترنت أمراً مهماً، لذا لا بد إنشاء موقع إلكتروني وحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز المصداقية وجذب العملاء، كما أن التواصل والتعاون مع الزملاء في المجال يمكن أن يفتح فرصاً جديدة ويساعد في التغلب على العقبات.
رغم ذلك، من المتوقع أن يستمر نمو العمل الحر في المملكة العربية السعودية، مع توجه المزيد من الأفراد نحو هذا النموذج المرن للعمل من خلال المبادرات الاستراتيجية، خاصة وأنّ المملكة تعمل بنجاح على بناء اقتصاد عمل حر قوي ومستدام، ما يسهم في تحقيق رؤية 2030 ويعزز من مكانة المملكة كقائدة في القوى العاملة الرقمية وريادة الأعمال العالمية.
اقرأ أيضاً: «سبارك» السعودية تستقطب استثمارات بالمليارات وتخلق آلاف الوظائف