بين مشاهد الدمار وصور الغربة، ينبض الأمل في قلوب الملايين الذين يحلمون بالعودة إلى حضن بلدهم الأم سوريا، وعودة المنشودة ليست مجرد خطوة في طريق طويل، بل محطة جديدة تحمل في طياتها التحديات والفرص لإعادة بناء سوريا التي لطالما كانت موطناً لأبنائها، ضمن هذا السياق ألقت تصريحات السفير السوري في الرياض الضوء على هذا الحلم المشترك، مؤكدة على الدور المحوري للمملكة العربية السعودية في دعم السوريين خلال هذه المرحلة الفاصلة.
وفي التفاصيل، كشف السفير السوري في الرياض، الدكتور محمد سوسان، عن تزايد ملحوظ في أعداد السوريين المقيمين في المملكة الراغبين في العودة إلى وطنهم، مشيراً إلى الطلب المرتفع على تذاكر المرور عقب سقوط النظام السابق، مؤكداً أن المملكة العربية السعودية وفرت للسوريين كل مقومات الحياة الكريمة خلال السنوات الماضية.
وفي تصريحات خاصة، أوضح السفير سوسان أن الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية في الحكومة السورية الجديدة إلى الرياض كانت بمثابة خطوة أولى لاستعادة العلاقات وإعادة بناء ما دمرته سياسات النظام السابق، وأشاد بالدور السعودي قائلاً إن المملكة لطالما كانت داعمة للشعب السوري منذ اندلاع الأحداث في عام 2011.
وأشار السفير إلى أن حوالي ثلاثة ملايين سوري يعيشون في السعودية، جاء معظمهم بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة، وشدد على أن السوريين في المملكة لم يُعاملوا كلاجئين بل كضيوف، حيث حرصت الحكومة السعودية على توفير بيئة تضمن لهم العيش بكرامة دون الحاجة إلى إقامة مخيمات، ومما جاء على لسانه: «لم ترفع خيمة واحدة في السعودية».
اقرأ أيضاً: السعودية: حان الوقت لتستعيد سوريا استقرارها ونهضتها
وعن زيارة الوزير الشيباني إلى السعودية، أكد السفير أنها جاءت رغبة في تعزيز العلاقات مع الدول العربية، وأن النتائج الإيجابية لهذه الزيارة ستتضح في المستقبل القريب، كما أشار إلى أن المملكة بما تمتلكه من مكانة إقليمية ودولية قادرة على تقديم الدعم اللازم لسوريا لتجاوز أزمتها الحالية.
وعبّر سوسان عن امتنانه للجهود السعودية المتواصلة، موضحاً أن السعودية قدمت مساعدات إنسانية للشعب السوري منذ بداية الأزمة، لكنها كانت تواجه عراقيل من النظام السابق الذي سعى إلى التحكم بتوزيع تلك المساعدات، وأكد أن الوضع الراهن في سوريا صعب للغاية، حيث يعيش أكثر من 92% من السكان تحت خط الفقر، مشيداً بمبادرات المملكة الإنسانية التي لاقت ترحيباً واسعاً.
وعلى الصعيد القنصلي، ذكر السفير أن إغلاق السفارة السورية لفترة طويلة أدى إلى تراكم العمل، لكن الجهود تُبذل حالياً لتقديم خدمات القنصلية بشكل سريع وفعّال، خصوصاً خدمات الأحوال المدنية وجوازات السفر.
وأكد السفير أن هناك زيادة كبيرة في الطلب على تذاكر المرور للسوريين الذين انتهت صلاحية جوازات سفرهم أو فقدوها، حيث يرغبون بالعودة إلى سوريا بعد زوال النظام السابق.
كما تطرق إلى وعود وزير الخارجية الجديد بسن قوانين تسهّل الإجراءات القنصلية وتخفف الأعباء المالية عن السوريين في الخارج، مشيراً إلى تخفيض الرسوم على بعض الخدمات القنصلية، مثل تذاكر المرور التي أصبحت مجانية، وكذلك خدمات تمديد الجوازات والتصديقات.
وفيما يتعلق بالانتقادات التي طالت الدبلوماسيين السوريين واتهامهم بالارتباط بالنظام السابق، أوضح سوسان أن الدبلوماسيين يعملون لصالح الدولة وليس الأفراد، وأكد أن عملهم يهدف إلى خدمة الشعب السوري، مشيراً إلى أن السوريين في المملكة يقيّمون بأنفسهم جودة الخدمات المقدمة لهم.
وختم السفير تصريحاته بالإشارة إلى الدور المحوري الذي يمكن أن تلعبه السعودية في دعم سوريا خلال المرحلة القادمة، مشدداً على الثقة المتبادلة بين البلدين ورغبة الشعب السوري في بناء مستقبل أفضل بدعم من أشقائهم العرب.
اقرا أيضاً: السعودية تستنكر الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا
وكان قد أكد وزير الخارجية في الإدارة السورية الجديدة، أسعد الشيباني، أنه خلال زيارته إلى السعودية قدّم رؤية إدارته لتشكيل حكومة تقوم على مبدأ التشاركية والكفاءة، وتستوعب جميع مكونات الشعب السوري.
وتعد الزيارة الأولى من نوعها لمسؤول من الحكومة السورية الجديدة، وقد ضم الوفد المرافق له كلاً من وزير الدفاع مرهف أبو قصرة ورئيس جهاز الاستخبارات أنس خطاب.
وأجرى الوفد السوري اجتماعات مع الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي، والأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية، وفي منشور على منصة «إكس»، أوضح الشيباني قائلاً: «استعرضنا رؤيتنا الوطنية الهادفة إلى تشكيل حكومة تشاركية وكفؤة تضم جميع أطياف المجتمع السوري. كما ناقشنا خططاً اقتصادية تنموية لتعزيز الاستثمار وبناء شراكات استراتيجية لتحسين الظروف المعيشية والخدمات العامة».
ومنذ إسقاط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر الماضي، تبذل الإدارة السورية الجديدة جهوداً لإقناع الدول العربية والمجتمع الدولي بأنها تسعى لتحقيق تمثيل عادل لكافة السوريين، وضمان استقرار ووحدة البلاد.