منذ عقود، ظلت العلاقات بين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية تمثل نموذجاً للتعاون والتكامل في المنطقة العربية، ومع تغير الظروف والتحديات الإقليمية، ظهرت الحاجة إلى تعزيز هذا التعاون عبر آليات أكثر تنظيماً وفعالية.
في هذا السياق، جاء الإعلان عن العمل على إنشاء «مجلس التنسيق الأعلى السعودي المصري» ليكون خطوة استراتيجية في مسار تعميق العلاقات بين البلدين، فقد كشف وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، عن جهود مستمرة لوضع الهيكل التنظيمي لهذا المجلس، مشيراً إلى الأهمية البالغة لهذا التعاون في تحقيق الاستقرار والتنمية.
وأكد عبد العاطي، خلال تصريحات متلفزة، أن العلاقات المصرية السعودية تتميز بعمقها الاستراتيجي وتنسيقها المستمر في مختلف القضايا الإقليمية والدولية.
هذا الإعلان جاء عقب اللقاء الذي جمع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أكتوبر الماضي، وخلال هذا اللقاء، جرى التوقيع على تشكيل المجلس برئاسة مشتركة بين الزعيمين، مما يعكس الإرادة السياسية القوية من الجانبين لدفع العلاقات نحو مستويات غير مسبوقة.
وتشكيل «مجلس التنسيق الأعلى» ليس مجرد اتفاق رمزي، بل هو خطوة عملية تهدف إلى تعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية والتنموية، وقد صرحت الحكومة المصرية في بيان لها أن المجلس يهدف إلى تسريع التواصل وتعزيز التكامل بين البلدين، ويضم المجلس وزراء ومسؤولين من كلا البلدين في مختلف القطاعات، على أن تُعقد اجتماعاته بشكل دوري بالتناوب بين القاهرة والرياض.
اقرأ أيضاً: أين وصل مشروع الربط الكهربائي السعودي المصري؟
العديد من الخبراء والمحللين رأوا في هذه الخطوة نقطة تحول مهمة، فالإعلامي السعودي خالد المجرشي وصف المجلس بأنه امتداد لجهود بدأت منذ أكثر من عقد لتعزيز التكامل بين البلدين، وأشار إلى أن المجلس سيعمل على بناء آليات مستقبلية تُشجع على الاستثمار وزيادة حجم التبادل التجاري.
ولفت المجرشي إلى تصريحات وزير التجارة السعودي، ماجد القصبي، الذي أكد سابقاً تكليفه بدعم وتعزيز الاستثمارات السعودية في مصر، ومن جانبه، اعتبر السفير رخا أحمد حسن، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، أن وجود مجلس أعلى للتنسيق سيُسهم في حل أي تحديات تواجه التعاون الثنائي.
وأكد أن المجلس يمثل خطوة جديدة نحو تعميق الشراكة بين البلدين في شتى المجالات، سواء كانت سياسية، اقتصادية، أو تنموية، أما الدكتور عبد المنعم سعيد، عضو مجلس الشيوخ المصري، فقد شدد على أهمية التنسيق المصري السعودي لمواجهة التحديات الإقليمية.
ووصف العلاقة بين البلدين بأنها «قبة الميزان» في المنطقة، مشيراً إلى أن التعاون بينهما لا يقتصر على تعزيز الاستقرار بل يمتد إلى مواجهة الأخطار المحيطة.
التحديات التي تواجهها المنطقة تتطلب تضافر الجهود وتنسيق السياسات بين الدول العربية. وفي هذا الإطار، يمثل مجلس التنسيق الأعلى السعودي المصري خطوة ضرورية لضمان حماية المصالح المشتركة وتحقيق التنمية المستدامة، فمن خلال تعزيز العلاقات الثنائية، يمكن للقاهرة والرياض مواجهة التحديات الإقليمية بفعالية أكبر.
اقرأ أيضاً: السعودية تسعى لتعزيز التعاون مع مصر في الصناعة والتعدين
وعد تشكيل مجلس التنسيق الأعلى السعودي المصري علامة فارقة في مسار العلاقات بين البلدين، ومن المتوقع أن يسهم هذا المجلس في توسيع آفاق التعاون، وتحقيق الاستقرار الإقليمي، وتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين بلدين يشكلان دعامة رئيسية للأمن والاستقرار في المنطقة العربية.
هذا وتعمل مصر على تنفيذ مشروع الربط الكهربائي مع السعودية، والمتوقع أن يبدأ تشغيله بحلول صيف العام الجاري 2025، يهدف هذا المشروع إلى تعزيز استقرار منظومة الكهرباء في مصر، فضلاً عن الاستفادة من الخبرات السعودية في مجالات تخزين الطاقة وتطوير الشبكات الذكية.
ويرى الخبراء أن المشروع سيسهم في تحسين توزيع الكهرباء خلال أوقات الذروة في البلدين، كما يشكل خطوة هامة نحو ربط الشبكات الكهربائية بين الدول العربية في كل من افريقيا وآسيا، وفي لقاء جمع وزير الكهرباء المصري محمود عصمت مع نظيره السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان في الرياض، جرى استعراض آخر المستجدات المتعلقة بالمشروع.
وأوضحت وزارة الكهرباء المصرية أن هذا الربط سيساعد على توزيع الأحمال الكهربائية بين البلدين بفعالية، من خلال الاستفادة من اختلاف أوقات الذروة، مما يتيح إدارة أفضل للفائض الكهربائي ويعزز استقرار الشبكتين.
يُذكر أن اتفاقية التعاون لإنشاء هذا المشروع تم توقيعها بين مصر والسعودية عام 2012، بتكلفة إجمالية بلغت 1.8 مليار دولار، وفي أكتوبر الماضي، أعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أن المشروع يهدف إلى إنتاج 3000 ميغاواط من الكهرباء على مرحلتين.