في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه منطقة الشرق الأوسط، برزت تحركات خليجية جديدة تسعى إلى بلورة رؤية استراتيجية لدعم استقرار سوريا، وفي اجتماع افتراضي، اجتمع كبار المسؤولين في وزارات خارجية دول مجلس التعاون الخليجي لبحث خطوات عملية تسهم في تحقيق هذا الهدف، مؤكدين على أهمية الدور الخليجي في إعادة بناء سوريا واستعادة أمنها واستقرارها.
وفي التفاصيل، صرّح السفير نجيب البدر، مساعد وزير الخارجية الكويتي لشؤون مجلس التعاون الخليجي، الذي ترأس الاجتماع، بأن هذا اللقاء يأتي استكمالاً لجهود سابقة تهدف إلى تعزيز الأمن والاستقرار الإقليميين، وأوضح أن هذا المسار يرتبط بتنفيذ مخرجات اللقاء الوزاري الاستثنائي الذي عُقد في ديسمبر الماضي، مما يعكس التزام الدول الخليجية بتقديم الدعم اللازم لسوريا على مختلف المستويات، سواء السياسية أو الإنسانية.
وأكد البدر أن الاجتماع أسفر عن توافق خليجي واضح حول خطوات المرحلة المقبلة، مشيراً إلى أن أمن سوريا واستقرارها جزء لا يتجزأ من أمن المنطقة، واعتبر دعم الشعب السوري لتحقيق تطلعاته نحو التنمية والاستقرار أولوية لا غنى عنها، كما شدد على أهمية العمل المشترك والتنسيق مع الشركاء الإقليميين والدوليين لضمان تنفيذ هذه الرؤية.
زيارة وزير الخارجية الكويتي إلى دمشق مؤخراً، وفق ما أعلنه البدر، جاءت لتعزيز التعاون بين دول الخليج وسوريا في هذه المرحلة الحرجة، والزيارة حملت رسائل تضامن وأظهرت استعداد الدول الخليجية لتقديم دعم متكامل يشمل المجالات الإنسانية والتنموية.
اقرا أيضاً: السعودية: حان الوقت لتستعيد سوريا استقرارها ونهضتها
كما مثّلت هذه الخطوة بادرة إيجابية للتفاعل مع القيادة السورية الجديدة، حيث تم التأكيد على أهمية توحيد الصفوف ومواجهة التحديات الراهنة لضمان مستقبل أكثر استقراراً لسوريا.
وفي سياق متصل، أشار السفير السوري في الرياض، الدكتور محمد سوسان، إلى وجود رغبة متزايدة بين السوريين المقيمين في المملكة بالعودة إلى وطنهم، وأشاد بالدور السعودي في تقديم الدعم للسوريين خلال السنوات الماضية، لافتاً إلى أن المملكة قدمت نموذجاً استثنائياً في التعامل مع السوريين كضيوف وليس كلاجئين، إذ حرصت على توفير مقومات الحياة الكريمة دون الحاجة إلى إقامة مخيمات.
وأعرب السفير سوسان عن امتنانه للمواقف السعودية التي كانت دائماً داعمة للشعب السوري، مشيراً إلى أن الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية السوري إلى الرياض تُعد خطوة هامة نحو إعادة بناء العلاقات مع الدول العربية.
كما أبدى تفاؤله بالنتائج التي قد تنبثق عن هذه الزيارة، معرباً عن ثقته بأن المملكة بما تمتلكه من مكانة إقليمية ودولية قادرة على لعب دور محوري في دعم سوريا لتجاوز أزمتها الراهنة.
اقرأ أيضاً: انطلاق اجتماعات الرياض الوزارية بشأن سوريا
وعلى الرغم من التحركات الإيجابية، فإن الوضع في سوريا يظل صعباً للغاية. يعيش أكثر من 92% من السكان تحت خط الفقر، مما يجعل المساعدات الإنسانية أولوية قصوى.
السفير السوري أكد أن السعودية قدمت مساعدات كبيرة منذ بداية الأزمة، لكن العقبات التي كانت تضعها السياسات السابقة أعاقت وصولها إلى المستحقين، ومع ذلك، فإن المبادرات السعودية المستمرة لاقت إشادة واسعة، إذ تعد نموذجاً للتضامن الإنساني في وقت الأزمات.
ويتفق المراقبون على أن الجهود الخليجية والسعودية تحديداً تحمل أبعاداً استراتيجية تمتد إلى ما هو أبعد من الدعم الإنساني، فإعادة بناء سوريا لن تكون مجرد مسألة تقديم مساعدات أو دعم سياسي، بل تتطلب رؤية شاملة تشمل إعادة هيكلة البنية التحتية وتعزيز الاستقرار السياسي والاجتماعي، وتأتي هذه التحركات ضمن سياق أوسع يشمل إعادة دمج سوريا في محيطها العربي واستعادة دورها على الساحة الدولية.
إن الرؤية التي تتبلور حالياً في الأوساط الخليجية تُظهر التزاماً واضحاً بدعم سوريا في مسيرتها نحو التعافي، ويبقى التحدي الأكبر في تنفيذ هذه الرؤية وتحقيق توافق شامل بين الأطراف الدولية والإقليمية لضمان سلام مستدام في سوريا.
اقرأ أيضاً: السعودية تستنكر الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا