في ظل الأزمات المتصاعدة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، تبرز أهمية التعاون الدولي في إيجاد حلول تساهم في إحلال السلام والاستقرار، وفي هذا السياق، سلطت زيارة الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير إلى السعودية الضوء على دور المملكة المحوري في معالجة القضايا الإقليمية، حيث أعرب عن تطلعه لتعزيز التعاون بين ألمانيا والسعودية من أجل تحقيق تسوية سياسية شاملة للأزمة السورية، إلى جانب التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار في غزة ولبنان.
وخلال زيارته للرياض، أكد شتاينماير على عمق العلاقات السعودية الألمانية وآفاق تطورها، مشيراً إلى أن البلدين يتمتعان بشراكة وثيقة في العديد من المجالات، وقال في تصريحات خاصة لصحيفة «الشرق الأوسط» إن زيارته للمملكة تركزت على مناقشة القضايا الإقليمية الرئيسية، مضيفاً أن البلدين يشتركان في مصلحة مشتركة لتحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، وهو ما يفتح المجال أمام تعاون وثيق يمكن أن يسهم في تطوير الحلول للأزمات المتفاقمة في المنطقة.
وكان قد سبق زيارة شتاينماير تحركات دبلوماسية ألمانية أخرى قبل أشهر، إذ زارت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك الرياض ضمن جولة إقليمية تهدف إلى تهدئة التوترات في الشرق الأوسط، وكان في استقبالها وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، حيث بحثا معاً الجهود الدولية الرامية إلى وقف إطلاق النار في غزة، إضافة إلى مناقشة القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك.
اقرأ أيضاً: وسط تحذيرات السعودية.. ما الدوافع وراء عملية ماغديبورغ؟
ووفقاً لوكالة الأنباء السعودية «واس»، تناول اللقاء سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، فضلاً عن تنسيق المواقف حول التطورات الأخيرة في المنطقة، وشددت بيربوك، قبيل مغادرتها برلين، على أهمية وقف إطلاق النار لدواعٍ إنسانية، داعية إلى الإفراج عن المحتجزين ووقف التصعيد العسكري، مؤكدة أن الحل العسكري لن يكون مجدياً في كل من غزة والضفة الغربية، وأن المسار السياسي القائم على حل الدولتين هو السبيل الوحيد لتحقيق سلام مستدام.
جولة بيربوك في الشرق الأوسط تأتي في وقت تشهد فيه المنطقة ضغوطاً متزايدة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين على حكومة بنيامين نتنياهو لدفعها نحو اتفاق لوقف إطلاق النار، خاصة بعد الكشف عن العثور على جثث ستة رهائن في أحد الأنفاق بجنوب قطاع غزة، وفي هذا الإطار، أوضحت المتحدثة باسم الخارجية الألمانية، كاثرين ديشاور، في مؤتمر صحفي ببرلين، أن زيارة بيربوك تعد التاسعة لها إلى الكيان الإسرائيلي، والحادية عشرة إلى منطقة الشرق الأوسط منذ بدء التصعيد العسكري في السابع من أكتوبر 2023، مشيرة إلى أن المناقشات تركز على جهود إنهاء النزاع وإطلاق سراح الأسرى، بالإضافة إلى تقديم المساعدات الإنسانية لسكان غزة.
العلاقات السعودية الألمانية ليست وليدة اللحظة، بل تمتد جذورها إلى منتصف القرن العشرين، حيث بدأت رسمياً مع افتتاح السفارات وتعزيز التبادل التجاري، رغم وجود علاقات اقتصادية غير رسمية بين البلدين قبل الحرب العالمية الثانية، وخلال العقود اللاحقة، شهدت هذه العلاقات تطوراً ملحوظاً، خصوصاً في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، حيث كانت ألمانيا تعتمد على النفط السعودي في مقابل تصدير التكنولوجيا والمعدات المتطورة.
اقرأ أيضاً: مفاجآت في تصنيف جوازات السفر ٢٠٢٥ والسعودية تتألق!
وفي السبعينيات والثمانينيات، ومع الطفرة النفطية، تعمقت العلاقات بين البلدين، وأصبحت ألمانيا من الشركاء التجاريين الأساسيين للسعودية، ورغم التحديات السياسية والاختلافات في وجهات النظر حول بعض القضايا الإقليمية وحقوق الإنسان خلال التسعينيات وبداية الألفية الجديدة، استمر التعاون بين البلدين في مجالات متعددة، شملت التعليم والصناعة والتكنولوجيا، فضلاً عن التعاون الأمني والسياسي.
اليوم، تلعب الشركات الألمانية دوراً بارزاً في مشاريع رؤية 2030 في السعودية، حيث تواصل الاستثمار في مجالات البنية التحتية والطاقة المتجددة، مما يعكس استمرار تطور العلاقات الثنائية في إطار المصالح الاقتصادية المشتركة والتنسيق السياسي المستمر، وبظل هذه المعطيات، يبدو أن الشراكة السعودية الألمانية ماضية في مسارها نحو مزيد من التعاون والتفاهم، في وقت تزداد فيه الحاجة إلى تضافر الجهود الدولية لحل الأزمات المتشابكة في المنطقة.