في خضم التطورات الصناعية المتسارعة التي تشهدها المملكة العربية السعودية، يبرز قطاع تصنيع قطع الغيار في مجال الطاقة بوصفه أحد المحركات الرئيسة للنمو الاقتصادي، مستفيداً من التطورات الرقمية الحديثة التي تسهم في إعادة تشكيل المشهد الصناعي، فمع تبني المملكة لتقنيات التصنيع الرقمي، وخاصة الطباعة ثلاثية الأبعاد، بات من الممكن تعزيز الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد، مما يدعم أهداف رؤية السعودية 2030 في تحقيق الاكتفاء الذاتي الصناعي.
تشير الإحصائيات إلى أن المملكة تستحوذ على أكثر من نصف سوق تصنيع قطع الغيار في منطقة الخليج، بقيمة تتراوح بين 10 إلى 15 مليار دولار سنوياً، في حين يُقدَّر حجم السوق العالمي لهذا القطاع بنحو 90 مليار دولار سنوياً، مما يسلط الضوء على أهمية توطين التصنيع وتعزيز القدرات المحلية، ويزداد هذا التوجه أهمية مع تنامي الاعتماد على الطباعة ثلاثية الأبعاد، التي تتيح إمكانات غير مسبوقة في تصنيع مكونات عالية الدقة والجودة.
ووفقاً لفهمي الشوا، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة “إيمنسا”، فإن السوق السعودي يشهد نمواً مستداماً في مجال التصنيع الرقمي، حيث تفتح الفرص التوسعية آفاقاً واعدة أمام الشركات المحلية، “إيمنسا”، التي تُعدّ أكبر مصنع رقمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، استطاعت رقمنة أكثر من 15 ألف قطعة، إلى جانب تقييم ما يزيد على 2.1 مليون قطعة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى إنتاج أكثر من 200 قطعة عبر تقنية “التصنيع بالإضافة”، وهي إحدى أحدث أساليب الإنتاج التي تعتمد على تكوين الأجزاء الصناعية عبر إضافة طبقات متتالية من المواد وفقاً لنماذج رقمية ثلاثية الأبعاد.
إن التحول نحو التصنيع المحلي باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد يعزز قدرة السعودية على إنتاج مكونات صناعية معقدة محلياً، وهو ما يعادل حجم استثمار يتراوح بين مليار دولار و4 مليارات دولار في قطاع الطاقة وحده، ويرى الشوا أن هذا النمو المتسارع يتيح فرصاً ضخمة أمام الشركات الوطنية لتوسيع عملياتها والمساهمة في تعزيز الاقتصاد الوطني.
اقرأ أيضاً: وزير الطاقة السعودي: نخطط لتخصيب اليورانيوم وبيعه
تسعى “إيمنسا” إلى مضاعفة حجم عملياتها بحلول عام 2025، حيث شهدت الشركة نمواً استثنائياً خلال العام الماضي بلغ 300% من حيث القدرة الإنتاجية، وهو ما يعكس التحسينات المستمرة في عمليات التصنيع الرقمي، ومن خلال توسيع طاقتها الإنتاجية وتطوير حلول مبتكرة، تهدف الشركة إلى تحسين الكفاءة التشغيلية وتعزيز القدرة التنافسية للصناعات السعودية.
لكن التحدي الأكبر الذي يواجه القطاع لا يقتصر على تطوير التقنيات فحسب، بل يتمثل أيضاً في تعزيز الوعي بإمكانات التصنيع الرقمي، فوفقاً للشوا، لا تزال هناك حاجة ملحة لزيادة الوعي والفهم لدى القطاعين العام والخاص حول الفوائد الاستراتيجية للطباعة ثلاثية الأبعاد، إذ إن بعض الجهات تتردد في تبني هذه التقنيات الجديدة بسبب المخاطر المحتملة المرتبطة بتطبيقها، وهو ما يستدعي تكثيف الجهود التوعوية والتعليمية.
وفي إطار تطوير الكفاءات الوطنية، تعمل “إيمنسا” على تقديم برامج استشارية وتدريبية متخصصة، بالإضافة إلى افتتاح مصانع جديدة تهدف إلى دعم الابتكار المحلي، كما تستثمر الشركة في تعزيز الأمن السيبراني وتحسين البنية التحتية الرقمية، لضمان بيئة صناعية آمنة ومستدامة تحمي المخزون الرقمي المحلي من التهديدات السيبرانية المحتملة.
اقرأ أيضاً: ندوة الذكاء الاصطناعي SPE 2025
وفي سياق أوسع، تشهد السعودية توجهاً استراتيجياً نحو تبني تقنيات الثورة الصناعية الرابعة، التي لم تعد خياراً، بل باتت ضرورة لتعزيز الاستدامة الاقتصادية وتقليل الاعتماد على الأسواق الخارجية، ويمثل الاستثمار في المخزون الرقمي المحلي والاكتفاء الذاتي خطوة حيوية نحو تفادي أي اضطرابات في سلاسل الإمداد العالمية، لا سيما في ظل التحديات الاقتصادية والجيوسياسية التي تؤثر في التجارة الدولية.
ختاماً، يشير الشوا إلى أن القيمة الحقيقية لشركة “إيمنسا” تكمن في قدرتها على إنشاء مخزون رقمي محلي، وهو ما يسهم في تقليل الاعتماد على الواردات ويفتح آفاقاً جديدة للابتكار في قطاع تصنيع قطع الغيار للطاقة، وهذا التطور لا يعزز فقط مكانة السعودية كوجهة رائدة في التصنيع الرقمي، بل يدعم أيضاً تحقيق تحول صناعي شامل يتماشى مع تطلعات المستقبل.