في أولى جولاته الخارجية بعد انتخابه، يتوجه رئيس الجمهورية اللبنانية إلى المملكة العربية السعودية في زيارة رسمية تحمل دلالات هامة، كونها تأتي في إطار إعادة ترميم العلاقات اللبنانية مع الدول العربية، وخاصة مع المملكة التي لطالما لعبت دوراً محورياً في المشهد السياسي والاقتصادي اللبناني. وتأتي هذه الزيارة وسط تحديات سياسية وأمنية كبيرة، ما يجعلها محط أنظار الداخل اللبناني والمجتمع الدولي.
تهدف زيارة رئيس الجمهورية إلى السعودية إلى إعادة بناء جسور الثقة وتعزيز التعاون المشترك بين البلدين، في ظل الحاجة الملحة لدعم عربي يساعد لبنان على تجاوز أزماته السياسية والاقتصادية. ومن المتوقع أن تمهد هذه الزيارة الطريق أمام زيارات أخرى لرئيس الحكومة ووفد وزاري موسع، يضم عدداً من الوزراء، لمناقشة اتفاقيات تعاون بين لبنان والمملكة، والتي يُقدَّر عددها بنحو 22 اتفاقية تشمل مجالات عدة، من الاقتصاد إلى الأمن والطاقة.
وبعد السعودية، سيتوجه عون إلى القاهرة للقاء المسؤولين المصريين، على أن يعود لاحقاً إلى بيروت حيث سيترأس أول جلسة للحكومة بعد نيلها ثقة المجلس النيابي. ومن المتوقع أن يتم خلال هذه الجلسة تعيين قائد جديد للجيش خلفاً للعماد جوزف عون، الذي انتُخب رئيساً للجمهورية، حيث يُطرح اسم مدير العمليات في الجيش كأحد أبرز المرشحين لهذا المنصب.
الجنوب اللبناني: أولويات الحكومة والتحديات القائمة
بالتوازي، وفي الداخل اللبناني، تولي الحكومة اهتماماً بالملفات الحساسة، إذ بدأ رئيس الحكومة نواف سلام مهامه بزيارة الجنوب اللبناني، في رسالة واضحة بأن الملف الأمني والاعتداءات الإسرائيلية ستكون على رأس أولويات حكومته. وتهدف هذه الزيارة إلى التأكيد على ضرورة تأمين انسحاب الكيان الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية المحتلة، وتطبيق القرار الأممي 1701، بالإضافة إلى إعادة إعمار المناطق المتضررة من الاعتداءات الإسرائيلية لضمان عودة المواطنين إلى قراهم ومدنهم.
لكن هذه الجهود تواجه تحديات كبيرة، خاصة في ظل التصعيد الإسرائيلي المستمر، وسط غياب ضغوط دولية حقيقية تلجم هذا العدوان. ويرى البعض أن المجتمع الدولي يتعامل بازدواجية في هذا الملف، حيث يتم التغاضي عن الخروقات الإسرائيلية المتكررة التي توثقها قوات «اليونيفيل»، ما يزيد من تعقيد الأوضاع الأمنية في الجنوب.
اقرأ أيضاً: لبنان يتجاوز الفراغ السياسي والسعودية تجدد دعمها له
القمة العربية: آمال بقرارات حاسمة
ضمن هذا السياق، من المقرر أن تعقد القمة العربية في القاهرة الأسبوع المقبل، حيث يترقب اللبنانيون مخرجاتها، على أمل أن تسفر عن موقف عربي موحد تجاه الاعتداءات الإسرائيلية، سواء في لبنان أو فلسطين. ويرى مراقبون أن إصدار موقف عربي حازم قد يسهم في إعادة التوازن الإقليمي، ومنع الكيان الإسرائيلي من مواصلة انتهاكاته دون رادع.
ووسط هذه التحديات السياسية والأمنية، يعيش اللبنانيون أجواء شهر رمضان المبارك في ظل أزمة اقتصادية خانقة. فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل ملحوظ، متأثرة بتراجع قيمة الليرة اللبنانية وانخفاض القدرة الشرائية للمواطنين. ومع ذلك، لم تغب الأجواء الرمضانية عن بيروت والمناطق اللبنانية، حيث لا تزال العائلات تحافظ على طقوس الشهر الكريم، رغم الضغوط المعيشية.
وعلى الصعيد الاجتماعي والسياسي، من المتوقع أن تشهد موائد الإفطار الرمضانية لقاءات سياسية مكثفة، سواء في دار الفتوى أو في القصر الجمهوري، حيث تم تأجيل الإفطار الرسمي إلى وقت لاحق بسبب ارتباط الرئيس بالمشاركة في القمة العربية.
اقرأ أيضاً: لبنان في صلب مباحثات فيصل بن فرحان وهوكستين
لبنان أمام مفترق طرق
ختاماً، يقف لبنان أمام مرحلة مفصلية تتطلب قرارات جريئة وإصلاحات حقيقية. لكن رغم المصاعب التي تواجهها الحكومة، فإن نجاحها في إعادة ترميم العلاقات العربية، ومواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية، قد يكون خطوة في الاتجاه الصحيح نحو إعادة الاستقرار للبلاد.