في خضم التحولات الاقتصادية السريعة التي تشهدها المملكة العربية السعودية، تبرز سديم العيسى (مواليد 2 ديسمبر 1985) كرائدة أعمال استطاعت أن تنسج مسارًا فريداً يجمع بين الإبداع الفني والرؤية الإدارية الاستراتيجية، ولم تقتصر إنجازاتها على التميز في عالم التصميم الداخلي، بل امتدت لبناء منظومة متكاملة من المشاريع تربط بين الإنتاج والتسويق والمبيعات، من خلال شركتها الرائدة “سيزار ديزاين” ومتجرها الإبداعي “آرتستري“.
وتمكنت سديم من تحويل شغفها بالفن إلى نموذج اقتصادي مستدام، حيث تجسّد مسيرتها قدرة الإبداع على اختراق الحدود التقليدية للأعمال.
ورغم التحديات التي تواجهها كامرأة سعودية في مجالٍ لا يزال ينظر إليه على أنه غير تقليدي، استطاعت أن تحفر اسمها بجدارة، لتصبح مصدر إلهام لجيل جديد من الرياديات الطامحات إلى تحقيق التوازن بين الهوية الفنية والنجاح التجاري في السوق السعودية الواعدة.
المسار المهني
بدأت سديم رحلتها المهنية بتأسيس شركة سزار ديزاين، التي ركزت على تقديم خدمات التصميم الداخلي للمنازل والمشاريع التجارية.
ولم تكن الشركة مجرد استوديو تصميم تقليدي، بل نموذجًا لدمج الفن بالوظيفية، حيث طورت مشاريع تراعي احتياجات العملاء المتنوعة، من المساحات الصغيرة التي تتطلب حلولًا ذكية إلى الفلل الفاخرة التي تعكس هوية أصحابها.
ومع نمو سمعتها في السوق، وسعت نطاق عملها بإنشاء مصنع أجزاء للصناعة، المتخصص في إنتاج قطع التصميم الداخلي المخصصة، مما مكنها من السيطرة على جودة المواد وتقليل الاعتماد على الموردين الخارجيين.
كما أطلقت متجر آرتستري، الذي يعد وجهةً للراغبين في اقتناء قطع أثاث وإكسسوارات منزلية فريدة، تجمع بين التصميم العصري والأسعار التنافسية.
اقرأ أيضاً: أول سعودية تتولى رئاسة جامعة.. من هي ليلك الصفدي؟
استراتيجيات النجاح
واجهت سديم تحدياتٍ عدة في رحلة بناء مشاريعها، بدءًا من صعوبة إثبات مكانتها في سوقٍ يهيمن عليه عمالقة عالميون، ومرورًا بمواكبة توقعات العملاء السعوديين الذين يبحثون عن خيارات تجمع بين الفخامة والخصوصية.
وللتعامل مع هذه التحديات، اتبعت استراتيجية واضحة تعتمد على ثلاثة محاور رئيسية: أولًا، الاستثمار في الجودة عبر استخدام مواد مستدامة وأساليب تصنيع حديثة، مما جعل منتجاتها تتميز بعمر افتراضي أطول وتشطيبات أكثر دقة.
ثانيًا، تنويع مصادر الدخل من خلال دخولها قطاعات مساندة للتصميم الداخلي، مثل الإنتاج والبيع بالتجزئة، مما خفف من مخاطر الاعتماد على خدمة واحدة.
ثالثًا، التفاعل المباشر مع الجمهور عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث تشارك فيديوهات ونصائح حول التصميم الداخلي، وتستمع لآراء المتابعين لتطوير منتجاتها.
وهذه الاستراتيجية لم تعزز فقط من ولاء العملاء، بل جعلت منها شخصية مؤثرة تُسهم في نشر ثقافة الاهتمام بالتصميم الداخلي كجزء من نمط الحياة العصري.
الدور المجتمعي
تتخطى إسهامات سديم العيسى الجانب التجاري، لتمتد إلى دورها كمعلمةٍ وداعمةٍ للمبادرات المجتمعية.
وتشارك سديم عبر ورش العمل والندوات التي تنظمها، خبراتها مع الشباب السعودي الطموح، وتركز على موضوعات مثل “كيفية تحويل الهواية إلى مشروع مربح” و”إدارة التحديات في ريادة الأعمال”.
كما تتعاون مع جمعيات نسائية لدعم المشاريع الصغيرة، وتعرب عن اعتقادها بأن “تمكين المرأة اقتصاديًا يبدأ بتزويدها بالأدوات المعرفية والتقنية التي تجعلها قادرة على المنافسة”.
وتسهم عبر متجر “آرتستري” في تعزيز الصناعة المحلية، حيث تتعاون مع حرفيين سعوديين لتصميم قطعٍ تعكس الهوية الثقافية مع لمسة عصرية، مما يدعم الاقتصاد الوطني ويحافظ على التراث في آنٍ واحد.
اقرأ أيضاً: ريم الفيصل لأرابيسك لندن: الفن العربي يقلد الغربي، وأدعو لإعادة تعريف الفن بما يناسب حضارتنا
الرؤية المستقبلية
تتطلع سديم إلى مستقبلٍ تدمج فيه التكنولوجيا الحديثة في مشاريعها بشكلٍ أعمق، مثل استخدام تقنيات الواقع المعزز (AR) التي تتيح للعملاء رؤية التصاميم ثلاثية الأبعاد قبل التنفيذ، أو تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تحلل تفضيلات المستخدمين لاقتراح حلول مخصصة.
كما تخطط لتعزيز الاستدامة عبر تبني مواد صديقة للبيئة، مثل الأخشاب المعاد تدويرها والدهانات غير السامة، وتسعى إلى الحصول على شهادات عالمية في هذا المجال لتكون مشاريعها نموذجًا يحتذى به.
ومن ناحية التوسع، تدرس إمكانية فتح فروع لشركاتها في دول الخليج، مع الحفاظ على الهوية السعودية التي تميز منتجاتها.
ورغم النجاحات التي حققتها سديم العيسى، إلا أن مسيرتها لم تخلُ من التحديات، مثل ارتفاع تكاليف بعض التصاميم التي قد تحد من وصولها إلى شريحة أوسع من المجتمع، كما تواجه تحدياتٍ لوجستية مرتبطة بإدارة عدة مشاريع متنوعة في وقتٍ واحد.
ومع ذلك، تظل تجربتها دليلًا على أن الإصرار والابتكار قادران على كسر الحواجز، خاصة في مجالاتٍ تعيد فيها المرأة السعودية تعريف دورها الريادي.