في مشهد سياسي يحمل بين طياته الكثير من الرمزية والدلالات، اجتمع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان برئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي Narendra Modi، في لقاء رسمي استثنائي، حمل معه تطلعات الدولتين نحو مستقبل مشترك أكثر تناغماً وتكاملاً. وكما يبدو لم يكن اللقاء مجرد زيارة بروتوكولية، بل محطة جديدة في مسار شراكة تزداد رسوخاً مع مرور الوقت.
مباحثات شاملة لتعزيز الأمن والاستقرار
خلال زيارة الدولة التي قام بها رئيس الوزراء الهندي إلى المملكة العربية السعودية، عقدت جلسة محادثات رسمية في قصر السلام بجدة، حيث استعرض الجانبان القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. واللقاء الذي اتسم بالودية والجدية، أكد حرص الطرفين على تعزيز التعاون لمواجهة التحديات الراهنة التي تشهدها الساحتان الإقليمية والدولية، بما يعزز الاستقرار ويدعم المصالح المشتركة.
كما تبادل الزعيمان وجهات النظر حيال الملفات السياسية والأمنية، إلى جانب سبل تعزيز العلاقات الثنائية في المجالات الاقتصادية والتجارية والطاقة، وهو ما يعكس مكانة السعودية كمركز ثقل في المنطقة، والدور المتنامي للهند كقوة اقتصادية وسياسية صاعدة.
انعقاد مجلس الشراكة الاستراتيجية
أحد أبرز محطات الزيارة تمثل في ترؤس الأمير محمد بن سلمان وناريندرا مودي لاجتماع مجلس الشراكة الاستراتيجية السعودي – الهندي، الذي ناقش عدداً من القضايا المدرجة على جدول الأعمال، وخرج بتوقيع محضر مشترك يرسّخ أُطر التعاون الثنائي، فيما جاءت هذه الخطوة في إطار سعي البلدين لتفعيل أدوات التنسيق السياسي والاقتصادي والعسكري، خصوصاً في ظل تقاطعات المصالح والرؤى بين «رؤية السعودية 2030» و«رؤية الهند 2047».
زيارة تؤكد عمق العلاقة التاريخية
زيارة مودي إلى المملكة تُعد الثالثة من نوعها خلال تسع سنوات، وقد سبق للزعيم الهندي أن زار السعودية في عامي 2016 و2019، فيما أجرى ولي العهد السعودي زيارات مهمة للهند خلال الفترة ذاتها، آخرها في عام 2023، ما أسهم في رفع مستوى التنسيق والتفاهم السياسي بين الجانبين.
تاريخياً، تمتد العلاقات بين البلدين لأكثر من سبعة عقود، حيث بدأت بعد استقلال الهند في عام 1947، وشهدت تطوراً تدريجياً بلغ ذروته في زيارات رفيعة المستوى من الجانبين، أبرزها زيارة الملك عبد الله بن عبد العزيز للهند عام 2006 التي تمخض عنها «إعلان دلهي» الشهير.
تعاون شامل ما بين الهند والسعودية
من الدفاع إلى التكنولوجيا، ومن الطاقة إلى التبادل الثقافي، تسعى الرياض ونيودلهي لتوسيع آفاق التعاون في مختلف الميادين. وقد برز ذلك جلياً من خلال إشادة مودي بالعلاقات الثنائية، حيث وصفها بأنها «عميقة واستراتيجية»، مؤكداً أن الجالية الهندية في السعودية تُعد جسراً حيوياً بين البلدين.
كما أن مبادرات الهند مثل «اصنع في الهند» و«الهند الرقمية» تتكامل مع برامج التحول الوطني السعودية، ما يجعل من هذا التعاون نموذجاً يُحتذى به في العلاقات الثنائية المتوازنة.
اقرأ أيضاً: اتفاقية ربط كهربائي ما بين السعودية والهند
زيارة في توقيت حساس
هذا وجاءت زيارة رئيس الوزراء الهندي في ظل تطورات سياسية وعسكرية تشهدها المنطقة، ما يزيد من أهمية التنسيق بين القوتين الإقليميتين لضمان الأمن والاستقرار. ويرى محللون أن مثل هذه الزيارات تعكس تقديراً دولياً للدور المحوري الذي تلعبه المملكة، خاصة في قضايا الطاقة والتجارة الدولية.
ومن جانبه، أكد المحلل السياسي أحمد آل إبراهيم، أن هذه الزيارة تحمل أبعاداً استراتيجية بالنظر إلى توقيتها وتزامنها مع تحولات إقليمية حساسة، مشيراً إلى ضرورة تعزيز التشاور بين القيادتين لما فيه مصلحة المنطقة والعالم.
تطلع لمستقبل مشترك
وفي ختام زيارته، أعرب مودي عن تطلعه لتوسيع نطاق التعاون بين بلاده والمملكة، مشيداً بالرؤية القيادية لولي العهد، ومؤكداً على التزام الهند بمواصلة العمل المشترك لتعزيز السلام والازدهار. أما الجانب السعودي، فقد أكد من خلال الاستقبال الرسمي الحافل، والتوقيع على محضر الشراكة، أن نيودلهي شريك استراتيجي رئيس في مشروع المملكة نحو المستقبل.
يشار أخيراً إلى أنه كان من المقرر أن تستمر زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى السعودية يومين، إلا أن الزيارة قُصِرَت بسبب هجوم إرهابي وقع في منطقة باهالجام بجامو وكشمير، وأسفر عن مقتل 26 شخصاً.