بينما ينام العالم على صدى الأزمات الاقتصادية والحروب التجارية، يتحرك عمالقة النفط بهدوء، يخططون للمستقبل ويرسمون معالم السوق القادمة. خبر صغير بحجمه، ضخم بتأثيره، هز الأسواق مؤخراً، وهو قرار «أوبك بلس» بزيادة إنتاج النفط بمقدار 411 ألف برميل يومياً اعتباراً من حزيران/يونيو المقبل.. هل هي مجرد أرقام إضافية؟ أم أنها مفتاح لفهم المعادلات الجيوسياسية والاقتصادية القادمة؟
ما هي مجموعة «أوبك بلس»؟
قبل الغوص في التفاصيل، دعونا نتذكر من هي هذه المجموعة. «أوبك بلس» ليست فقط الدول الـ 13 الأعضاء في منظمة أوبك، بل تضم أيضاً 10 دول منتجة أخرى من خارج المنظمة، مثل روسيا وكازاخستان. هذا التحالف القوي يتحكم في شرايين الطاقة العالمية، وهو اللاعب الأهم حين يتعلق الأمر بالتوازن بين العرض والطلب في سوق النفط.
تفاصيل القرار: خطوة محسوبة بدقة
في اجتماع افتراضي عُقد مؤخراً، قررت ثماني دول رئيسية في «أوبك بلس» ـ بينها السعودية، روسيا، العراق، الإمارات، الكويت، كازاخستان، الجزائر، وعُمان ـ رفع الإنتاج بمقدار 411 ألف برميل يومياً لشهر يونيو. ويأتي هذا بعد خطوة مماثلة في أبريل ونوفمبر 2023، كجزء من خطة تدريجية لإلغاء التخفيضات الطوعية التي فرضتها المجموعة في السنوات الأخيرة.
وبحسب البيان الصادر عن أوبك، استند القرار إلى مؤشرات إيجابية في السوق، مثل انخفاض المخزونات النفطية، وهو ما يعطي المجموعة مرونة كافية للمناورة وتعديل الخطط حسب متغيرات السوق. والأهم أن هذه الزيادة قابلة للتعديل أو حتى الإيقاف إذا ما تغيرت الظروف.
روسيا تدعو للعدالة في تحمل المسؤولية
ومن جانبها، شددت موسكو على أهمية توزيع الأعباء بشكل متساوٍ. ودعا نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك شركاءه في «أوبك بلس» إلى الالتزام بخطة التعويض، مشيراً إلى أن بعض الدول، مثل كازاخستان والعراق، لم تحقق أهدافها في هذا الصدد. كما لفت إلى أن لدى «أوبك بلس» القدرة على إنتاج كميات أكبر بكثير، لكنها تفضل ضبط الإنتاج للحفاظ على استقرار السوق.
اقرأ أيضاً: «أوبك» تتنبأ بازدهار الطلب العالمي على النفط في 2026
انعكاس مباشر على أسعار النفط
بمجرد إعلان القرار، سجلت أسعار النفط تراجعاً ملحوظاً، لتنخفض العقود الآجلة لخام برنت إلى 61.29 دولار للبرميل، وهو أدنى مستوى خلال أربع سنوات. وجاء ذلك نتيجة ضغط مزدوج: أولاً من زيادة المعروض، وثانياً بسبب المخاوف من تباطؤ اقتصادي محتمل على خلفية الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
وبحسب المحللة حليمة كروفت من «آر بي سي كابيتال ماركتس»، فإن محور التركيز الآن هو الالتزام. إذ لا تزال بعض الدول، مثل كازاخستان والعراق، تتأخر في تنفيذ التزاماتها المتعلقة بخفض الإنتاج.
خطة طويلة الأجل حتى 2026
على الرغم من هذه الزيادات المرحلية، فإن المجموعة لا تزال ماضية في تخفيض إنتاجها بأكثر من 5 ملايين برميل يومياً، وفقاً للاتفاقات السابقة. ومن المقرر استمرار بعض التخفيضات حتى نهاية عام 2026، مما يؤكد أن الخطط الحالية ليست سوى جزء من استراتيجية أوسع لضبط السوق والحفاظ على الأسعار ضمن نطاق مستقر.
لماذا الآن؟
على ما يبدو، فإن توقيت هذا القرار ليس مصادفة. فانخفاض المخزونات العالمية أعطى إشارة إلى أن السوق يحتاج إلى دفعة إضافية لتلبية الطلب. ومع اقتراب موسم الصيف وزيادة الطلب العالمي على الوقود، ترى «أوبك بلس» أن الوقت مناسب لتخفيف القيود قليلاً، مع إبقاء خيار التراجع مفتوحاً إذا استدعى الأمر.
ولن ينتهي الأمر هنا. فالدول الثماني ستعقد اجتماعات شهرية لمراقبة التزام الدول، ومتابعة خطط التعويض، وتقييم تطورات السوق. ومن المقرر أن تعقد اجتماعاً مهماً في 1 يونيو لتحديد مستويات إنتاج شهر تموز/يوليو، وهو ما يعني أن السوق سيبقى في حالة ترقب دائم لأي تغييرات مفاجئة.
ليبقى التحدي الأكبر أمام «أوبك بلس – +OPIC» هو الحفاظ على وحدة الصف. ففي حين تملك بعض الدول مصالح وطنية تدفعها لزيادة الإنتاج سريعاً، فإن الحفاظ على التوافق الجماعي يتطلب تنازلات وضبطاً للنفس. ونجاح هذه المعادلة هو ما سيحدد مستقبل السوق خلال السنوات المقبلة.
ما الذي يعنيه هذا لنا؟
بالنسبة للمستهلكين، قد تعني هذه الزيادة انخفاضاً مؤقتاً في أسعار الوقود، لكنها أيضاً تفتح الباب أمام تقلبات أكبر إذا ما تعثرت خطط «أوبك بلس» أو تصاعدت التوترات الجيوسياسية. أما بالنسبة للاقتصاد العالمي، فإن قدرة «أوبك بلس» على ضبط السوق ستظل عاملاً حاسماً في تحديد مسار الانتعاش أو الركود خلال الفترة القادمة.