تتربع منطقة الباحة، على قمم جبال السروات في جنوب غرب المملكة العربية السعودية، وتتمتع بجاذبية استثمارية كبيرة، كونها إحدى أبرز الوجهات السياحية والزراعية في المملكة، التي تمتزج فيها الحداثة والأصالة في التصميمات المعمارية، إلى جانب المناخ المعتدل، والطبيعة الخلابة، والتراث العريق.
وتقع هذه المنطقة عند خطي الطول 41° 42 شرقًا والعرض 19° 20 شمالًا، وتمتد على مساحة 36 ألف كيلومتر مربع، ويحدها شمالًا وغربًا منطقة مكة المكرمة، وجنوبًا وشرقًا منطقة عسير، مما يجعلها مقصدًا للسياح والمستثمرين على حد سواء.
منطقة الباحة: سلة غذاء المملكة
تشتهر هذه المنطقة كونها واحدة من أكثر المناطق خصوبة في المملكة، حيث تنتج كميات كبيرة من الفواكه مثل الرمان والعنب والموز، إلى جانب المحاصيل التقليدية كالتمر والزيتون.
كما ينتشر فيها زراعة المحاصيل البعلية التي كان يزرعها الآباء قديمًا، مثل الحنطة والشعير والذرة في السراة، والدخن والسمسم والذرة في تهامة، مما يعكس تاريخها الزراعي العريق.
السياحة في منطقة الباحة
تعد المنطقة أحد أبرز المصايف في السعودية ودول الخليج العربية، بفضل مناخها المعتدل على مدار العام، إلى جانب مناظرها الطبيعية التي تشمل الوديان والجبال والشلالات والغابات، مما يجعلها وجهة مثالية للسياح الباحثين عن الطبيعة الخلابة والأجواء الهادئة.
وتحتضن المنطقة أكثر من 40 غابة كثيفة، أبرزها غابة رغدان، التي تعد وجهة رئيسية للتنزه والسياحة، إذ يمر بها نحو 90% من زوار المنطقة، ويعود تاريخ الغابة إلى ثلاثة آلاف عام.
كما تحتضن عددًا من المتنزهات الخضراء التي يقصدها الأهالي والزوار، من أبرزها متنزه الأمير حسام بن سعود في حي القيم، الذي يتميز بموقعه الاستراتيجي في قلب المدينة، وقربه من متنزه رغدان، إلى جانب إطلالته الفريدة التي تجمع بين مشهد مدينة الباحة من جهة والقطاع التهامي من الجهة الأخرى.
اقرأ أيضاً: وادي مشار بحائل.. وجهة سياحية تجمع بين الجمال الطبيعي وعراقة الماضي
التراث والثقافة: عراقة تتجدد
لا تقل الباحة ثراءً في تراثها الثقافي عن جمالها الطبيعي، إذ تحتضن قرى أثرية تجسد أصالة المنطقة، من أبرزها متحف الباحة الإقليمي الذي يضم قطعًا أثرية تعود إلى عصور ما قبل الإسلام والعصور الإسلامية، بالإضافة إلى مقتنيات أثرية خاصة بالمنطقة.
كذلك، يعد قصر بن رقوش منظومة سكنية متكاملة تتكون من خمسة منازل كبيرة تحيط بها المزارع، ويضم المجلس والمسجد والمدرسة الملحقة بالقصر، إلى جانب بئر الماء والأفنية الداخلية والخارجية وإسطبلات الخيل.
أما قرية الملد، فهي نموذج معماري تراثي يتألف من عدد قليل من المباني السكنية المتلاصقة التي تلتف حول حصن يحمل اسمها، تتميز بيوتها بارتفاع يتراوح بين طابق أو طابقين، ونوافذ صغيرة مربعة الشكل، وتخلو من أي مبانٍ حديثة داخل نطاقها التراثي، مما يرسخ هويتها العمرانية الأصيلة.
وتزخر المنطقة أيضًا بالحصون التاريخية، مثل حصني التوأمين اللذين يعودان إلى 400 عام، حيث يتماثلان تمامًا في الشكل والمقاسات والارتفاع والتصميم الداخلي، ولهما تسمية محلية تُميِّزهما حسب موقعهما (الجنوبي والشمالي).
الفنون والأزياء الشعبية في المنطقة
تحظى الباحة بتراث ثقافي غني تطور عبر الزمن وتوارثته الأجيال، ويشمل الفنون الأدائية الشعبية، التي تتنوع بين “اللعب”، و”المسحباني”، و”السامر”، و”القاف”، إلى جانب “طرق الجبل”، و”الهرموج”، و”الزار”، و”اللبيني”، فيما تظل “العرضة” الأكثر شهرة، رغم تراجع ممارستها مقارنةً بالماضي.
كما هو الحال مع بعض الأزياء التقليدية، فإن أزياء الباحة لا تقتصر على أهل المنطقة فحسب، بل تشترك فيها بعض القبائل، مثلما هو الحال مع الفنون الشعبية.
ويرتدي الرجال في الباحة الثوب، والبشت، والعمامة، والعقال المقصب، و”الجبة”، التي تعد رداءً شتويًا يصنع يدويًا في معظم القرى، حيث تتولى النساء مهمة الخياطة، فيما يقوم الرجال بالتطريز، ليظل هذا الإرث جزءًا من الهوية الثقافية التي تعكس عراقة المنطقة وأصالتها.
التعليم والثقافة
التعليم والثقافة في الباحة
في المجال التعليمي، تحتضن منطقة الباحة جامعة الباحة، وهي جامعة حكومية تأسست عام 2006، وتضم 16 كلية تغطي مجالات متنوعة تشمل التخصصات الطبية، والعلمية، والهندسية، والتربوية، والإدارية، والإنسانية، بالإضافة إلى كلية الباحة الأهلية للعلوم، التي تساهم في دعم المسيرة الأكاديمية بالمنطقة.
أما في الجانب الثقافي، يعد متحف الباحة الإقليمي نافذةً على تاريخ المنطقة، حيث يوثق إرثها عبر آلاف القطع الأثرية التي تعكس مختلف العصور.
كما يلعب نادي الباحة الأدبي دورًا بارزًا في إثراء المشهد الثقافي بالمملكة، من خلال دعم المواهب الأدبية المحلية، وتشجيع الإبداع، واستقطاب الكتاب والمثقفين للمساهمة في الحركة الثقافية بالمنطقة.
ختاماً، تبرز منطقة الباحة كواحدة من الوجهات التي تستحق الزيارة، فهي مدينة متكاملة، تجمع بين عبق التاريخ، والحياة العصرية، لتقدم لزوارها تجربة سياحية فريدة من نوعها.
بداية من طبيعتها الخلابة وحدائقها الغناء، إلى تراثها الأصيل، ومن خدماتها العصرية إلى متاحفها التي تحكي قصص الماضي ، تستحق هذه المنطقة لقب “عروس مصايف السعودية”.
اقرأ أيضاً: السياحة الباردة في السعودية 2025