في زمنٍ تتسابق فيه الدول لتثبيت أقدامها في مضمار الاقتصاد الرقمي، تبدو التحركات السعودية السورية الأخيرة أكثر من مجرد اتفاقيات تعاون، بل محاولة جادة لإعادة رسم ملامح المشهد التكنولوجي والاقتصادي في سوريا، بدفعة سعودية ذات طابع استراتيجي يتجاوز البُعد الثنائي إلى أفق إقليمي أوسع.. إليكم التفاصيل!
اتفاقية سعودية سورية لتطوير البنية الرقمية في سوريا
في مشهد يحمل الكثير من الدلالات، وقّعت مجموعة «غو GO للاتصالات» مذكرة تفاهم مع وزارة الاتصالات والتقانة في سوريا، بهدف الدفع قدماً بعجلة التحول الرقمي في البلاد. وتمت مراسم التوقيع بحضور وزير الاتصالات السوري عبد السلام هيكل، والرئيس التنفيذي للمجموعة يحيى بن صالح آل منصور، بينما مثّل الطرفين كلٌّ من محمد بن منصور كرحان، الرئيس التنفيذي لقطاع الأعمال في «غو»، وعلاء حمزاوي، مستشار وزير الاتصالات السوري.
الاتفاقية لم تكن مجرد بروتوكول تعاون تقليدي، بل تضمنت بنوداً واضحة حول إطلاق حلول تقنية متكاملة تشمل تطوير البنية التحتية الرقمية، وإنشاء مركز بيانات وطني، وتعزيز الخدمات الحكومية الرقمية، إلى جانب دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء في منظومة الخدمات السورية.
خارطة طريق للتحول الرقمي الشامل
الخطوة تأتي في إطار استراتيجية «غو للاتصالات» الهادفة إلى توسيع حضورها الإقليمي بصفتها مزوداً رائداً لحلول الاتصالات والتقنية. وفي هذا السياق، أكد آل منصور أن المجموعة تسعى لنقل التجربة الرقمية السعودية إلى الدول الشقيقة، معتبراً أن السوق السورية تمثّل فرصة استراتيجية واعدة لتوسيع أعمال المجموعة في مجال التقنية والتحول الرقمي.
وأضاف أن الشركة تتجه حالياً نحو تقديم خدمات ذكية متكاملة تشمل الذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، ومنصات الخدمات الرقمية، بما ينسجم مع رؤيتها في أن تصبح مزوداً شاملاً للحلول الرقمية المتقدمة.
شراكة لتعزيز القدرات التقنية السورية
في ختام كلمته، شدد آل منصور على جاهزية «غو للاتصالات» وشركتها التابعة «إيجاد للتقنية» للعب دور الشريك الاستراتيجي الموثوق لسوريا في مسارها الرقمي. وقال: «نحن على ثقة بقدرتنا على الإسهام في دعم البنية الرقمية السورية، وتعزيز التحول التقني وفق المعايير العالمية».
ومن جانبها، أوضحت المجموعة أن هذه الخطوة تأتي ضمن رؤيتها لتعزيز التعاون الإقليمي، ودعم الابتكار الرقمي في المنطقة، من خلال تصدير التجربة السعودية الناجحة في مجال التحول الرقمي إلى أسواق جديدة، بما يسهم في بناء مستقبل رقمي مستدام.
وزير المالية السوري: استثمارات سعودية قريبة في قطاعات حيوية
وفي تطور موازٍ يعكس ديناميكية العلاقات الاقتصادية السورية السعودية الجديدة، كشف وزير المالية السوري، محمد برنية، عن وجود خطوات ملموسة لتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، خصوصاً في القطاعات الحيوية كقطاع الطاقة.
وفي حديث لقناة «تلفزيون سوريا»، أشار برنية إلى أن دمشق تتجه حالياً نحو فتح آفاق جديدة للاستثمار أمام الشركاء السعوديين، مع وجود وفد اقتصادي سعودي رفيع المستوى يستعد لزيارة سوريا قريباً، لبحث فرص الاستثمار المشترك في مختلف القطاعات.
ووصف برنية الزيارة المرتقبة بأنها «واعدة» و«مهمة»، مؤكداً أن النتائج المتوقعة تتجاوز مجرد التفاهمات، وقد تسفر عن استثمارات سعودية كبيرة تُحدث فرقاً في المشهد الاقتصادي السوري، وتفتح الطريق أمام شراكات حقيقية بين القطاعين الخاصين في كلا البلدين.
تعاون أمني مرتقب بين دمشق والرياض
ولا تقتصر الشراكة السعودية السورية على المجالين التقني والاقتصادي فقط، بل تمتد اليوم إلى ملف بالغ الأهمية: الأمن. ففي ظل التحديات المتصاعدة التي تواجه المنطقة، تسعى دمشق للاستفادة من التجربة السعودية في بناء منظومة أمنية أكثر فاعلية وتطوراً.
في هذا الإطار، كشف المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية السورية، نور الدين البابا، عن مساعٍ حثيثة لعقد ورشات عمل وتدريبات مشتركة مع وزارة الداخلية السعودية، تهدف إلى استلهام الجوانب الناجحة من التجربة الأمنية في المملكة، وتكييفها لتناسب الواقع السوري.
وأوضح البابا، خلال تصريحات أدلى بها لقناة «العربية»، أن التعاون المرتقب سيشمل شقين رئيسيين: الأول يتمثل في عقد ورشات عمل على مستوى مديريات الأمن المختلفة، تشمل الأمن الجنائي، الحماية الدبلوماسية، أمن الطرق، الهجرة والجوازات، وغيرها من الأقسام الحيوية.
وأضاف أن هذه الورشات ستُخصص لدراسة أوجه الشبه والاختلاف بين المنظومتين الأمنيتين في البلدين، وذلك بغية تحديد الاحتياجات الخاصة بسوريا وتقديم حلول عملية مبنية على النموذج السعودي المتقدم.
أما الشق الثاني من التعاون، فيتمثل في إطلاق برامج تدريبية متقدمة تستهدف رفع كفاءة الكوادر الأمنية السورية، بالتعاون مع الجهات السعودية. وسيجري التركيز على نقل المهارات العملية والتقنيات الحديثة المعتمدة في المملكة، خصوصاً في ملفات ذات أولوية مثل مكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات، ضبط الحدود، حماية الحجاج، وتأمين الطرق السريعة.
وبحسب البابا، فإن هذه الخطوات تعبّر عن رغبة حقيقية في تطوير الأداء الأمني السوري، والانفتاح على الشراكات الإقليمية البناءة القائمة على تبادل الخبرات وتطوير القدرات.
وقد مهّدت وزارة الداخلية السورية لهذا التعاون من خلال زيارة رسمية إلى المملكة في شهر نيسان الماضي، حيث استضافت وزارة الداخلية السعودية وفداً أمنياً سورياً رفيع المستوى، بهدف الاطلاع على آليات العمل المتبعة في المؤسسات الأمنية بالمملكة، وتعزيز مجالات التنسيق والتكامل.
وشهدت الزيارة نقاشات موسّعة حول كيفية الاستفادة من المنظومة الأمنية السعودية المتطورة، ولا سيما فيما يتعلق بالبنية التكنولوجية للإدارة الأمنية، وتعاملها مع الأزمات والتحديات الأمنية.
الزيارة السعودية رفيعة المستوى
هذا وكان وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، قد زار دمشق مؤخراً على رأس وفد اقتصادي رفيع المستوى، في خطوة تحمل أبعاداً استراتيجية تتعلق بدعم استقرار سوريا، وتهيئة البيئة المناسبة لعودة النشاط الاقتصادي والاستثماري إلى البلاد.
الزيارة، وبحسب مصادر دبلوماسية، عكست تحوّلاً سعودياً واضحاً تجاه الملف السوري، يقوم على الرغبة في المساهمة الفعلية بإعادة بناء البنية التحتية الاقتصادية، وليس الاكتفاء بالمواقف السياسية الداعمة والضامنة للمسار السوري، والتي كان أبرز عناوينها الوساطة لدى أمريكا لرفع العقوبات والتي جاء بعدها قرار ترامب برفع العقوبات من قلب الرياض.
اقرأ أيضاً: السعودية وسوريا: من رفع العقوبات إلى الدعم المالي الجديد والاستثمارات!