يقفل العام 2024 على عدد من الأحداث المفصلية حول العالم، وهو ما يتكامل مع طبيعة الحياة المعاصرة التي تترك أفرادها عرضة للتوتر، نتيجة جملة من الضغوط والأعباء التي تعصف بهم، وتجعلهم عرضة للإصابة بعدد من الأمراض النفسية وهو أمر ليست مدينة جدة السعودية بعيدة عنه.
وتتسم طبيعة الحياة بجدة بتنوع خياراتها التعليمية والترفيهية والسكنية، لكن أفرادها قد يواجهون بعض الضغوطات المرتبطة بقسوة المناخ، وعدد من الجوانب الخدمية والاجتماعية، ومن هنا جاء اهتمام القائمين على المدينة وذوي الشأن بكاردها الطبي، والوعي بضرورة الاهتمام بالصحة النفسية والعقلية لأفراد المجتمع المقيمين فيها سواء من مواطنين أو وافدين.
وأشارت الأبحاث والمسوحات السكانية التي يتم إجراؤها دورياً إلى أنّ الاكتئاب هو المرض النفسي الأكثر شيوعاً في جدة بين الأمراض النفسية وتشمل أعراضه، الحزن واليأس والتعب المستمر وانخفاض القدرة على التركيز، واضطرابات في النوم والأكل، وعدم قدرة الشخص المصاب بالاكتئاب على اتخاذ القرار، وتراجع علاقات الشخص الاجتماعية، وانخفاض انتاجيته في العمل والدراسة.
اقرأ أيضاً: تجارب العلاج بالخيل في السعودية صهوة أمل للمرضى
وفي السياق أشارت الأبحاث إلى أنّ واحداً من كل خمسة أشخاص بحاجة إلى التحدث مع الطبيب النفسي، ومن الضرورة إلى أخذ العوامل الوراثية والتغيرات الهرمونية بعين الاعتبار، إلى جانب التجارب المؤذية والصادمة التي تعرض لها الشخص، واعتماده لطريقة التفكير السلبي، والمشكلات المحيطة بالشخص، سواء كانت متصلة بالجانب الاقتصادي أم الاجتماعي كالأسرة والأصدقاء.
وعلى الرغم من أنّ الجميع معرض للاكتئاب، من مختلف الفئات العمرية وكلا الجنسين، إلا أنّ النساء في جدة هن الأكثر عرضة للاكتئاب، وهو أمر ناجم عن الضغوط التي تتعرض لها المرأة من الأسرة والمجتمع، إضافة إلى حالة عدم المساواة.
اقرأ أيضاً: الطب النفسي في المملكة العربية السعودية: تطورات وتحديات تدعم المرأة
ويأتي اضطراب القلق في المرتبة الثانية بين الأمراض النفسية الأكثر انتشاراًَ في جدة، وترتبط بهذا المرض اضطرابات أخرى مثل الهلع والرهاب، والشعور الدائم بالتوتر والخوف، وما يتبع ذلك من عدم تركيز وقدرة على اتخاذ القرار، ومن الأعراض الفيزيولوجية المصاحبة التعرق وارتعاش اليدين والصعوبة في التنفس، وآلام عضلية إلى جانب الاضطرابات الهضمية، وتحتل النساء في جدة النسبة الأكبر في معدل الإصابة بالقلق.
ومن الأمراض النفسية الأكثر شيوعاً المسجلة حتى نهاية العام 2024، اضطراب الوسواس القهري كالشك المستمر وعدد من السلوكيات القهرية المبالغ فيها، والمتصلة بعادات صحية وأخرى مرتبطة بأشخاص وثالثة ترتبط بالخوف من وقوع حوادث يومية، وغير ذلك.
وبحسب المركز البلجيكي السعودي يعاني (2%) من سكان جدة من اضطراب الوسواس القهري، نتيجة الضغوط في البيئة المحيطة، من الدائرة القريبة أو من طبيعة الحياة في المدينة الكبيرة، ويتساوى الذكور والإناث بنسب الإصابة، لكن النساء أكثر ميلاً لتلقي العلاج.
وعلى نفس المنوال يأتي الرهاب الاجتماعي كواحد من الأمراض النفسية الأكثر شيوعاً في جدة، وتأتي أعراضه على هيئة خوف من المواقف الاجتماعية، وما تنطوي عليه من تواصل مع الآخرين، ويكون المصابون بهذا المرض خائفين على الدوام من التعرض للانتقاد والسخرية، وبالتالي هم يتجنبون الاحتكاك في مختلف جوانب الحياة، أي في الأسرة والمدرسة وحتى العمل، وتشير الدراسة المحلية التي أجراها المركز البلجيكي السعودي في مدينة جدة، إلى نسبة (10%) من السكان يعانون من هذا الاضطراب، وأسبابه تعود لمجموعة من العوامل البيئية والوراثية، وسجلت الإناث نسبة أعلى من الذكور في الإصابة بهذا الاضطراب.
اقرأ أيضاً: اليوم العالمي للصحة النفسية وانعكاسها في مكان العمل
وهناك مجموعة أخرى من الاضطرابات التي تصيب الأفراد في جدة، مثل تعاطي المواد الطبية وغيرها، ما يؤدي إلى إصابة الأفراد بحالات من الإدمان، وتكون عواقبها وخيمة على الشخص ومجتمعه، وغالباً ما يكون الدافع من وراء هذا السلوك إما الهروب وإما إثبات الذات، وفي هذه الحالات يؤدي شعور الشخص بالعار من سلوكه في الإدمان إلى الابتعاد عن طلب المساعدة، لا سيما أن لمثل هذا النوع من الاضطرابات نوع من المسائلة القانونية.
وفي الختام لابد من الإشارة إلى خطورة الضغوطات الأسرية التي قد تؤدي بأفرادها إلى الميل والانحراف نحو عدد من السلوكيات وربما الاضطرابات الذهنية، لا سيما أن الفرد يجد نفسه مضطراً لتلبية التوقعات المطلوبة منه، ليقع فريسة لضغوط نفسية كبرى ربما يكون غير قادر على تحملها وهنا يأتي دور الطبيب النفسي الذي يقدم النصيحة والعلاج المناسبين للشخص، ويدله إلى الطريق الصحيح، لأن الحياة بسيطة وسهلة وليست كما يصورها الأهل والمجتمع للأبناء في أغلب الأحيان.