تنتشر ثقافة الحدائق الحجرية في كافة البلدان التي يتمتع أهلها بحضارة وتاريخ عريق يمتد لآلاف السنين، وانطلاقاً من هذا المفهوم وتعزيزاً لسبل الاستدامة أنجزت أمانة مكة الحديقة الحجرية على مساحة ألف متر مربع، لتكون حاضرة المكان على بساطتها، ولترسخ البعد الحضاري للمكان.
الحديقة الحجرية في مكة
تعمل أمانة مكة على تنفيذ سلسلة من مشاريع الحدائق في المدينة، وتعتبر الحديقة الحجرية أبرزها، لما تتمتع به من أهمية حضارية، منحها إياها الجمع مابين تراث شبه الجزيرة العربية وجمال طبيعتها، لأن الأحجار المستخدمة فيها تعكس طبيعة المنطقة الجغرافية.
واعتمد تصميم الحديقة على البساطة، باستخدام الموارد المحلية والتقنيات المستدامة واستغلالها بالطريقة المثلى، بما يحقق التوازن بين الجانبين المعماري والبيئي، لتأتي الحديقة كأيقونة معمارية تؤلف مابين جمال الطبيعة وتراث مكة.
وفي السياق حرص القائمون على تصميم الحديقة على جعلها فريدة من نوعها، من خلال تجهيزها بعدد من المرافق الضرورية، كمساحات لعب الأطفال ومناطق الجلوس والمناطق التعليمية، وجميعها صممت بمواد صديقة للبيئة، وضمت الحديقة مجموعة من الصخور سهلة التشكيل والتنظيف، إضافة لتمتعها بالمتانة اللازمة حتى تكون قادرة على تحمل الظروف المناخية، ولعلّ أبرزها التقلب الحاد في درجات الحرارة، إضافة للعوامل الأخرى المرتبطة بالحت والتعرية كالأمطار والرياح، وبالتالي سيكون من السهل تنفيذ عمليات الصيانة على المنحوتات الحجرية.
وكانت أمانة العاصمة المقدسة قد فازت مؤخراً بالجائزة الأولى على مستوى أمانات المناطق عن فكرة إنشاء الحديقة الحجرية، في إطار جائزة بصمة بلدي، التي تنظمها وزارة البلديات والإسكان السعودية، لرعاية المبادرات الفردية والمجتمعية الداعمة للابتكار والتي تعمل على النهوض بالمشهد الحضاري للمملكة.
اقرأ أيضاً: الشركة السعودية للتمويل تدعم رواد الأعمال
ومن أمثلة الحدائق الحجرية في العالم الحديقة الحجرية الإيرانية التي تؤلف مزيجاً من الغرابة يجعلها تقترب من عالم الأساطير، وتستقر الحديقة في مدينة “سيرجان” التابعة لمحافظة “كرمان”، ويعتمد المكون الحجري في الحديقة على مجموعة من الأحجار المتدلية عن أغصان الأشجار الجافة، في حركة استعاضة عن الثمار، ويقول الناس في المدينة، إنّ الرجل صاحب الفكرة المحرضة على الخيال أبكم وأصم، وكان قد أنشأ الحديقة كنوع من الاحتجاج على سلبه أرضه، وقد توفي صاحب الحديقة الحجرية عام 2007 ودفن فيها.
أمّا اليابان فيتخذ مفهوم الحديقة الحجرية فيها طابعاً أقرب للطقوس، فهي تشيد من قبل مجموعة من الرهبان بغرض الدخول إليها عندما يكونون في حالة التأمل والتفكير، ويطلق على هذه الحدائق اسم “كارسانوسي” وتحتوي عادة على صناديق مصنوعة من الرمل تدفن على عمق سطحي في أرض الحديقة، وتحتوي على التراب والحصى والحجارة.
وفي الهند هناك حديقة حجرية في مدينة “شانديغار” الشمالية، وتعتبر واحدة من المعالم السياحية المعروفة، وتحتوي مجموعة من التماثيل الفريدة المشكلة من الأحجار، يرتادها آلاف السياح سنوياً لكنها مشيدة على يد حرفي هندي يعشق الصخور والفخار والمكونات البدائية.
تمتد هذه الحديقة على مساحة 40 فدان، وجميع موجوداتها مصنوعة من المواد المعاد تدويرها، كالأغراض المنزلية التالفة والأواني المكسورة، وتضم المنحوتات في الحديقة تماثيل لبشر وحيوانات، كلها من تشكيل رجل هندي بسيط، لم يدرس الفنون، وعمل بيد واحدة، لكنه حمل حلماً ونجح في تحقيقه، ليصنع واحدة من الحدائق المدهشة، ويجلب إليه آلاف الزوار الفضوليين، الذين سمعوا بالحديقة لكنهم لم يقبلوا تفويت فرصة زيارتها.
وبالعودة إلى الحديقة الحجرية في مكة، من الجدير بالذكر أن المساحة الواسعة للحديقة، والعناية بتنظيمها، وإتاحة الممرات التعليمية فيها سيفتح الباب أمام الزوار لعيش تجربة من التعلم والتأمل الغامرة، الأمر الذي سيزيد من آفاق المكان المقدس الذي يحمل في كل زاوية من زواياه حكاية ربما تعود لآلاف السنين، وربما تعود للزمن الحاضر، لكن جميع الأجيال تتلاقى في تعبير لافت عن الإنسان السعودي الحضاري، الذي يحافظ على التراث والبيئة والثقافة والتاريخ والاستدامة في إطار رؤية المملكة 2030 التي تحرص على رفع جودة الحياة عند السعوديين.
اقرأ أيضاً: القمة العالمية للذكاء الاصطناعي تنطلق في الرياض