لم تكن جلسة مجلس الوزراء الأخيرة مجرد اجتماع روتيني، بل كانت لوحة متكاملة عكست مزيجاً من القرارات الاستراتيجية والرؤى المستقبلية، ومن قضايا الأمن الإقليمي إلى التحولات التنموية والاقتصادية، ومن التزامها الإنساني تجاه الشعوب المتضررة إلى ريادتها في مجالات التقنية والاستدامة، تثبت المملكة مرة أخرى أنها تقود بخطوات واثقة نحو بناء غدٍ أكثر إشراقاً.
وفي التفاصيل، فقد جددت المملكة العربية السعودية تأكيدها على الوقوف إلى جانب الشعب السوري في محنته، مشددة على أهمية تحقيق الأمن والاستقرار في هذا البلد الشقيق، وجاء ذلك خلال الجلسة التي عقدها مجلس الوزراء السعودي برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في العاصمة الرياض، وأكد المجلس موقف المملكة الرافض للاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية، والتي تشكل انتهاكاً صارخاً لقواعد القانون الدولي وحقوق الإنسان.
بدأ مجلس الوزراء جلسته بالتوجه بالشكر لله على الإنجازات العديدة التي تحققت للمملكة خلال العام الجاري، مشيراً إلى ما بذلته القيادة السعودية، ممثلة بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، لتحقيق قفزات نوعية في مسيرة التنمية الشاملة.
وشدد المجلس على أهمية تعزيز هذه المكتسبات من خلال مواصلة العمل على تحقيق أهداف رؤية 2030، التي ترسم خارطة طريق لمستقبل المملكة على جميع الأصعدة.
وفي سياق حديثه عن المشاريع الوطنية، سلط المجلس الضوء على مشروع النقل العام في مدينة الرياض، والذي يشمل تشغيل القطار والحافلات، وأكد المجلس أن هذا المشروع يمثل نقلة نوعية تسهم في تحسين جودة حياة المواطنين والمقيمين، فضلاً عن تعزيز البنية التحتية ودعم الحركة الاقتصادية والتنموية في المملكة.
وأشاد المجلس بفوز المملكة باستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم لعام 2034، معتبراً أن هذه الاستضافة تعكس مكانة المملكة المرموقة بين دول العالم، مؤكداً حرص القيادة السعودية على تقديم نسخة استثنائية من البطولة، تسهم في تعزيز تطور الرياضة في المملكة وتفتح آفاقاً جديدة للتعاون الدولي في المجال الرياضي.
كما ناقش المجلس تطورات الأوضاع في المنطقة والعالم، مسلطاً الضوء على القضايا الراهنة، بما في ذلك القضية الفلسطينية، وأكد المجلس أهمية استمرار الجهود الدولية لإيجاد حل دائم وعادل لهذه القضية، مشيراً إلى الدعوة لعقد مؤتمر دولي لحل الدولتين في نيويورك برئاسة مشتركة بين المملكة وفرنسا.
اقرأ أيضاً: مجلس التعاون الخليجي: ندعم وحدة وسيادة وأمن سورية
واستعرض المجلس نتائج المحادثات التي أجراها ولي العهد مع قادة عدد من الدول الكبرى، مثل فرنسا وبريطانيا، والتي أسفرت عن تعزيز التعاون في مختلف المجالات، بما يحقق المصالح المشتركة ويسهم في استقرار المنطقة.
وفيما يتعلق بالجانب البيئي، شدد المجلس على أهمية الاستراتيجية الوطنية لاستدامة البحر الأحمر، التي أطلقها ولي العهد بهدف حماية النظام البيئي وتعزيز التعاون لتحقيق استدامته، وأشار إلى نجاح المملكة في استضافة مؤتمر الأطراف لمكافحة التصحر، حيث جرى تقديم أكثر من 100 مبادرة وحشد دعم مالي بقيمة تجاوزت 12 مليار دولار، مما يعكس التزام السعودية بالتصدي للتحديات البيئية العالمية.
وناقش المجلس كذلك الجهود التي تبذلها المملكة لتعزيز ريادتها في مجال التقنية الحيوية، وأشاد بمخرجات قمة الرياض العالمية للتقنية الحيوية الطبية، التي سلطت الضوء على التطورات العلمية والابتكارات السعودية في هذا المجال، وأثنى على نجاح المعرض الدوائي العالمي في الرياض، والذي شهد توقيع اتفاقيات بقيمة تجاوزت 10 مليارات ريال لدعم إنتاج الأدوية الحيوية واللقاحات.
اقرأ أيضاً: السعودية تدين توسع الاستيطان في الجولان المحتل
كذلك، وافق المجلس على عدد من مذكرات التفاهم مع دول عدة في مجالات متنوعة، شملت الزراعة، حماية البيئة، الرياضة، والطيران المدني. ومن بين هذه الاتفاقيات، تعاون مع بروناي دار السلام في مجال الرياضة، ومع كوبا في مجال حماية البيئة، ومع العراق في الجيولوجيا.
وإلى جانب هذا، أشاد المجلس بما حققته المملكة من نجاحات على صعيد المؤتمرات الدولية التي استضافتها، مثل قمة «المياه الواحدة»، التي أكدت التزام المملكة بضمان استدامة الموارد المائية النقية عالمياً، كما أثنى على إنجازات مؤتمر التوائم الملتصقة الذي أبرز تفوق السعودية في المجال الطبي، تماشياً مع أهداف رؤية 2030 لتطوير القطاع الصحي.
واستعرض المجلس تقارير عدد من الهيئات الوطنية، مثل هيئة الفروسية وهيئة المدن الاقتصادية، واتخذ ما يلزم من قرارات لتعزيز الكفاءة وتحقيق الأهداف التنموية، كما نوّه بحصول المملكة على ترقيات في تصنيفها الائتماني خلال العامين الماضيين، ما يعكس نجاح الإصلاحات الاقتصادية والسياسات المالية التي انتهجتها القيادة السعودية.
هذا واختتم المجلس جلسته بالتأكيد على أهمية الاستمرار في العمل على تعزيز مكانة المملكة إقليمياً ودولياً، مشيراً إلى التزام القيادة بتقديم كل ما يلزم لتحقيق التنمية المستدامة والرفاهية للمواطنين والمقيمين.