في مشهد سياسي ودبلوماسي يعكس عمق الروابط التاريخية والتطلعات المشتركة، اجتمع صوت المملكة العربية السعودية ونظيرتها البريطانية ليصدح ببيان مشترك، يحمل في طياته رؤية طموحة وأجندة تعاون شاملة، فمن الرياض، المدينة التي تنبض برؤية 2030، إلى لندن، عاصمة التاريخ والعراقة، ينسج البلدان خيوط شراكة تستهدف تعزيز الأمن والاقتصاد والثقافة، وحتى الرياضة والطاقة النظيفة.
وفي التفاصيل، أصدرت السعودية والمملكة المتحدة بياناً مشتركاً، شدّدتا فيه على ضرورة تهدئة التوترات الإقليمية والالتزام بالمعايير الدولية وميثاق الأمم المتحدة، وجاء هذا البيان عقب زيارة رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إلى السعودية هذا الأسبوع، التي هدفت إلى تعزيز العلاقات المتينة بين البلدين.
وتضمن اللقاء الرسمي بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وستارمر مناقشات حول تعزيز التعاون عبر مجلس الشراكة الاستراتيجية، إلى جانب استعراض التقدم الملحوظ في تطوير العلاقات الثنائية وتوسيعها، واتفق الطرفان على تعزيز الشراكة الاقتصادية بينهما مع السعي إلى رفع حجم التبادل التجاري إلى 37.5 مليار دولار بحلول 2030، فضلاً عن استثمارات في الصناعات المستقبلية التي تدعم النمو المستدام.
الجانبان عبّرا عن تقديرهما لنمو الاستثمارات المتبادلة، مع التركيز على الاستثمارات السعودية في بريطانيا خلال عام 2024، مثل استثمارات صندوق الاستثمارات العامة في «سيلفريدجز» و«مطار هيثرو»، إضافة إلى دعم نادي نيوكاسل يونايتد.
اقرأ أيضاً: السعودية وبريطانيا: 79 مليار إسترليني قيمة التبادل التجاري بين البلدين
كما أشارا إلى مكانة بريطانيا كأحد أبرز المستثمرين الأجانب في السعودية، مع خطط الهيئة البريطانية لتمويل الصادرات لزيادة تعرضها السوقي إلى 6 مليارات دولار، بما في ذلك تمويل مشاريع ضخمة كمشروع القدية.
هذا ورحّب الطرفان بالتقدم المُحرز بشأن اتفاقية التجارة الحرة بين مجلس التعاون الخليجي والمملكة المتحدة، وأكدا أهمية التعاون في مجالات الطاقة النظيفة والهيدروجين وتكنولوجيا الاستدامة. كما أعلن الجانبان عن خطط لإنشاء تحالف للهيدروجين النظيف بالتعاون بين جامعتي الملك فهد ونيوكاسل.
وفي مجال الصناعة والتجارة، شدّدت السعودية على أهمية المبادرات الخاصة بتأمين الإمدادات الاستراتيجية، مثل الطاقة المتجددة وإنتاج الهيدروجين والمعادن الخضراء، وافتتحت خمس مناطق اقتصادية جديدة تستهدف الصناعات الاستراتيجية، مع دعوة الشركات البريطانية للاستفادة منها.
وفي قطاع التعليم، ناقشا زيادة عدد المدارس البريطانية في السعودية وافتتاح فروع جامعات بريطانية، مع التركيز على احتياجات التعليم الخاص والتدريب المهني. كما اتفقا على تعزيز التعاون في مجالات الصحة، وتطوير كلية تدريب للممرضين بالتعاون مع شركاء سعوديين.
اقرأ أيضاً: ستارمر في السعودية وتحوّل اقتصادي نوعي بين المملكتين
أمّا على الصعيد الثقافي، جرى الاتفاق على تعزيز التعاون الثقافي من خلال برامج جديدة، مثل تطوير محافظة العُلا بالتعاون مع المجلس الثقافي البريطاني، وفي السياق الرياضي، ناقش الطرفان مشاريع تعزز الرياضة النسائية والرياضات الإلكترونية.
وفي قضايا الدفاع والأمن، أكدا التزامهما بشراكة استراتيجية تشمل مجالات السيبرانية والأسلحة المتقدمة والطائرات المقاتلة، مع تعزيز التعاون لمكافحة الإرهاب والتطرف.
وفي الشؤون الإقليمية، دعا الجانبان إلى إطلاق عملية سلام شاملة في غزة، مشددين على ضرورة احترام قرارات الأمم المتحدة وحماية المدنيين، كما أكّدا أهمية التوصل إلى حل الدولتين لتحقيق السلام الدائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وفيما يتعلق بسورية ولبنان واليمن، رحّب الجانبان بالخطوات التي تدعم استقرار هذه الدول، وأكدا أهمية تسوية الأزمات السياسية فيها، كما شدّدا على ضرورة حل النزاع في السودان ودعم الجهود الأممية للتوصل إلى تسوية شاملة، وحول الحرب في أوكرانيا، جدّد الطرفان تأكيدهما على ضرورة السعي لتحقيق سلام مستدام يحترم سيادة الدول وسلامتها الإقليمية.
اقرأ أيضاً: لقاء سعودي ألماني لبحث ملف غزة والأوضاع الإقليمية