في خضمّ التوترات المتصاعدة بين الولايات المتحدة وإيران حول الملف النووي، برزت المملكة العربية السعودية كلاعب محوري يتوسط بين احتمالات الاتفاق والسلام أو الانزلاق نحو مواجهة عسكرية. فقد أظهرت الرياض براعة دبلوماسية لافتة، مستفيدة من موقعها الجيوسياسي وعلاقاتها المتوازنة مع الأطراف المتنازعة، لتصبح حجر الزاوية في أي تسوية محتملة.
لطالما كانت السعودية من أبرز المعارضين للاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، معتبرةً إياه تهديداً لاستقرار المنطقة. لكن التحولات الإقليمية والدولية، خاصة بعد الاتفاق الذي رعته الصين في مارس 2023 وأعاد العلاقات بين الرياض وطهران، دفعت المملكة إلى تبني دور الوسيط. وبحسب تقرير لـ «راديو أوروبا الحرة»، فإن السعودية عرضت التوسط بين الولايات المتحدة وإيران، مدفوعة برغبتها في ضمان استقرار المنطقة وتحقيق أهداف “رؤية 2030” التنموية.
الطريق إلى الاتفاق أو الحرب يمر عبر الرياض
في تقرير حديث لصحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، أكدت الصحيفة أن السعودية أصبحت لاعباً رئيسياً في جهود منع الحرب بين الولايات المتحدة وإيران. فقد وافقت طهران على استئناف المفاوضات مع واشنطن بعد أن أدركت أن أي اتفاق يجب أن يأخذ في الاعتبار مصالح الرياض. كما أن الولايات المتحدة تسعى إلى توقيع اتفاق نووي مدني مع السعودية، مما يعزز من دور المملكة في هذا الملف الشائك.
التصريحات والتحليلات: السعودية في قلب المعادلة
أشار وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، خلال منتدى دافوس في يناير 2025، إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا تزيد من احتمالات نشوب حرب بين إيران وإسرائيل، مؤكداً أهمية تجنب الصراع في المنطقة. كما أعرب عن أمله في أن تتعامل طهران بإيجابية مع ملفها النووي.
ويرى محللون أن السعودية، من خلال تحسين علاقاتها مع إيران والولايات المتحدة، تسعى إلى لعب دور الوسيط الذي يمكنه تقديم ضمانات اقتصادية وسياسية لطهران، مما قد يسهم في إنجاح المفاوضات النووية.
اقرأ أيضاً: هل تنجح الرياض في تقريب وجهات النظر الأمريكية والإيرانية؟
الاتفاق النووي المدني: ورقة ضغط سعودية
تسعى السعودية إلى تطوير برنامج نووي مدني بالتعاون مع الولايات المتحدة. وبحسب تقرير لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، فإن هذا التعاون يتطلب توقيع اتفاقية “123” التي تضمن عدم انتشار الأسلحة النووية. وهذا المسعى يمنح الرياض ورقة ضغط إضافية في المفاوضات، حيث يمكنها استخدام تقدمها في هذا المجال كوسيلة للتأثير على مواقف كل من واشنطن وطهران.
ختاماً، تلعب السعودية اليوم دوراً محورياً في تحديد مستقبل الملف النووي الإيراني. فهي ليست فقط وسيطاً بين الولايات المتحدة وإيران، بل أيضاً طرفاً يمتلك مصالح استراتيجية واقتصادية تجعل من استقرار المنطقة ضرورة حتمية. ومع استمرار المفاوضات وتأرجحها بين التقدم والتعثر، تبقى الرياض في موقع يمكنها من ترجيح كفة السلام على الحرب، إذا ما استمرت في لعب دورها الدبلوماسي بحنكة وذكاء.