خلال الاجتماع الأحدث للجمعية العامة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، والذي شهده شهر سبتمبر الماضي 2023 في العاصمة النمساوية فيينا، أفصحت المملكة العربية السعودية على لسان الأمير(عبد العزيز بن سلمان)، وزير الطاقة السعودي، والأخ الشقيق لولي العهد الأمير (محمد بن سلمان)، عن اعتزام البلاد المضي قدماً في تطوير مشروعها الوطني السلمي للطاقة النووية، والرامي إلى تعزيز المردود الاقتصادي المستدام لمختلف مجالات العمل والإنتاج، وذلك من خلال إطلاق (أول محطة سعودية للطاقة النووية) وبناء اثنين من المفاعلات النووية المدنية المخصصة لإنتاج الطاقة، من بين ستة عشر من المفاعلات المقترح إنشاؤها مستقبلاً في المملكة، وهو ما سيتم بالطبع من خلال التعاون مع الوكالة، وتحت إشرافها، ووفق المعمول به في بنودها الرقابية والفنية محلياً وإقليمياً ودولياً، مع تقديم كافة الدعم المطلوب لمشرفيها فيما يخص الجهود المعنية بتطبيق معاهدة عدم الانتشار النووي، وجعل الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية تطبيقاً للقرار 1995 المنوط به تحقيق ذلك.
كتب: محسن حسن
وقد شهد الاجتماع قيام وزير الطاقة السعودي، بالإعلان عن رغبة المملكة في أن تصبح مركزاً إقليمياً لأنشطة الوكالة الخاصة بالتوعية النووية، وتطوير الطاقات البشرية السعودية والخليجية والعربية في مجالات الوقاية من الإشعاعات، والتعريف بطرق وأساليب وآليات مواجهة الحالات النووية الطارئة.
وكبادرة للمصداقية في التعاون، قدمت المملكة دعماً مالياً قدره 2.5 مليون دولار، يتم توجيهه كمساعدات إنسانية ضمن مبادرة (أشعة الأمل Rays of Hope) التي أطلقتها الوكالة مؤخراً لعلاج مرضى السرطان وتعزيز تدابير الأمان الإشعاعي.
مخزون اليورانيوم
ويعد هذا الإعلان السعودي الواثق عن البدء في إنشاء أول محطة وطنية للطاقة النووية، بمثابة الرد الحاسم على بعض حملات التشكيك التي أثارتها بعض الجهات الخاصة مؤخراً بخصوص قدرة المملكة على الوفاء بالموارد اللازمة من اليورانيوم لتشغيل المحطة وتطوير البرنامج، ومن هذه الجهات وكالة بلومبيرغ الأمريكية، والتي ألمحت إلى وجود تقييمات معمقة صادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ووكالة الطاقة النووية، تفيد بأن موارد الرياض من اليوارنيوم قاصرة ولا يساعدها على دعم برنامجها الناشيء للأغراض النووية السلمية، ناهيك عن مساعدتها في أن تصبح مصدراً دولياً من مصادر الحصول على هذا المعدن الخام، وهذه الشكوك في الحقيقة، لا يمكن التسليم بمحتواها ومضامينها بشكل مطلق، خاصة مع ما دشنته السعودية عبر رؤية 2030 من استراتيجيات خلاقة لتطوير الصناعات التعدينية، وكذلك من برامج ضخمة للتنقيب عن اليورانيوم، وهي الاستراتيجيات والبرامج التي كشفت فيما كشفت عن وجود احتياطيات قادرة على إنتاج أكثر من 90.000 طن من اليورانيوم عبر ثلاثة رواسب رئيسية فقط تتواجد في شمال ووسط وغرب البلاد، وهو ما يدحض كل تلك الشكوك، ويؤكد أن المملكة قادرة من خلال ضبط وتمويل عمليات الاستخراج، على إنتاج الوقود النووي محلياً، وتشغيل محطتها الناشئة وتطوير برنامجها الطموح للأغراض السلمية، ولعل ما أعلنه وزير الطاقة السعودي من أن المملكة تمتلك خططاً جادة وطموحة للوصول إلى الدورة المكتملة لإنتاج الوقود النووي، ومن ثم التمكن من مرحلة (الكعكة الصفراء) أو(أكسيد اليورانيوم المضغوط) وتوظيف ذلك في خطط التنمية المحلية والاستهلاك الداخلي، وفي التصدير أيضاً، يؤكد أننا أمام حالة سعودية من اليقين والثقة فيما لدى البلاد من إمكانات وموارد معززة للطموح النووي.
نووية للتنمية
ومما لا شك فيه، أن المملكة العربية السعودية تنطلق في سعيها الحثيث، نحو تطوير مشروعها السلمي للطاقة النووية، من خلال خططها واستراتيجياتها الإصلاحية الشاملة للاقتصاد الوطني، ولجميع القطاعات المحلية الحيوية التي تُعنى بتعزيز الدخل وتنويع مصادره، وهو ما يتماشى مع رؤية المملكة 2030 التي أطلقتها منذ العام 2016، والتي وضعت ضمن أولوياتها تحقيق السبعة عشر هدفاً الأممية المتعلقة بالتنمية المستدامة، حيث ترى الرياض أن حاجتها المتزايدة من الموارد الطاقية اللازمة لخطط الإصلاح المشار إليها، تستوجب العمل بجد واجتهاد وإصرار من أجل امتلاك تقنيات برامج الطاقة النووية السلمية، المتقدمة والنظيفة، خاصة مع ما أشرنا إليه من امتلاكها مخزوناً استراتيجياً طبيعياً من اليورانيوم الخام الذي يمكن توظيفه والاستفادة به تنموياً في مثل تلك البرامج، كما أن التزامات السعودية بتعهداتها المناخية الدولية وقيامها بتخصيص استثمارات ضخمة تزيد على 175 مليار دولار فيما يخص خفض الانبعاثات الكربونية انطلاقاً من خفض غاز الميثان بنسبة 30%، وانتهاءاً بالوصول إلى تصفير الكربون خلال الفترة من 2030 وحتى 2060، بالإضافة إلى استهدافها توظيف مصادر الطاقة المتجددة في توليد أكثر من 49.5% من حاجتها من الكهرباء بحلول 2030، الأمر الذي سيمكنها لاحقاً من رفع معدلات تصديرها من النفط الخام دون الحاجة لاستخدامه داخلياً، ما يعني زيادة الموارد المالية ودعم استراتيجيات التنمية المستدامة بشكل غير مسبوق، كل هذا يدفع باتجاه التعجيل بإطلاق البرنامج النووي السعودي للطاقة السلمية، هذا بالإضافة إلى أن الاستهلاك السعودي المتزايد للطاقة المعتمدة على الوقود الأحفوري، يمثل تحدياً كبيراً في البلاد، ويحتم على مسؤوليها إيجاد بدائل طاقية متقدمة وذات فاعلية وموثوقية، يمكنها تعزيز منظومة التنمية الاقتصادية الشاملة والوفاء بالاحتياجات المتعددة والسريعة والمستدامة لكافة مناحي العمل والإنتاج.
سلمية ملزمة
وتفنيداً للشبهات المحتملة التي يمكن إثارتها إقليمياً ودولياً بشأن مستجدات البرنامج النووي السعودي، فإن المملكة وضعت حدوداً صارمة تؤكد للجميع سلمية برنامجها وتركيزه على التوظيف الإيجابي للتقنيات النووية، وهو ما يظهر من خلال التقرير الصادر عن (هيئة الرقابة النووية والإشعاعية) بالمملكة تحت عنوان (السياسة الوطنية لبرنامج الطاقة الذرية في المملكة العربية السعودية)، حيث يتبين مدى حرص صانع القرار في البلاد على تنزيه هذا البرنامج عن نوايا العبث النووي أو التوظيف العدائي للطاقة النووية، وهو ما يتضح جلياً من مجموع الخصائص والمباديء الأساسية التي اعتمدتها الهيئة كبنود ملزمة ذاتياً، والتي تضمن قيام السعودية بتطبيق أفضل ممارسات الأنشطة النووية وفق المعايير الدولية السلمية، ويأتي على رأس تلك الخصائص: حصر جميع الأنشطة على الأغراض السلمية، والالتزام التام بمبدأ الشفافية المتعلق بالجوانب التشغيلية والتنظيمية، وتطبيق معايير رقابية وتنظيمية مستقلة للأمان النووي داخل المرافق الإشعاعية، إلى جانب التوظيف الإيجابي المنضبط للموارد الوطنية والطبيعية من الخامات النووية مع تطبيق الإجراءات الدولية المعنية بإدارة النفايات المشعة، وأخيراً الحرص على تطوير المحتوى المحلي والوطني ضمن قطاع الطاقة الذرية وفق أهداف التنمية المستدامة.
ومن جهة مقاربة، فقد كانت المملكة حريصة على الانضمام إلى أهم المعاهدات أو الاتفاقيات الدولية الملزمة بالاستخدام السلمي للطاقة النووية، ومنها اتفاقيات ومعاهدات: منع انتشار الأسلحة النووية، الأمان النووي، سلامة التصرف في الوقود المستهلك والنفايات المشعة، الضمانات الشاملة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التبليغ المبكر عن الحوادث النووية، واتفاقيات أخرى عديدة.
شراكة متصاعدة
وفي ظل معوقات الداخل الأمريكي سياسياً وقانونياً واستراتيجياً، والمتعلقة بمحاذير نقل التقنيات النووية السلمية إلى الغير وفق المادة 123 من قانون الطاقة الذرية لعام 1954، والخاصة بمعطيات دعم الآليات المعززة لتطبيق معاهدة عدم الانتشار النووي على مستوى السياسات الداخلية والخارجية الأمريكية، والمندرجة ضمن الإطار القانوني الأمريكي للتعاون النووي المدني، وهي المعوقات التي لا تزال تحول دون موافقة واشنطن على قرار إمداد الرياض باحتياجاتها اللازمة لتطوير برنامجها النوي السلمي، فإن قيام المملكة العربية السعودية بفتح وتوسيع آفاق التعاون الإيجابي بينها وبين الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رغم كون اتفاق المملكة مع الوكالة لا يزال منخفض المستوى حتى الآن؛ إذ لم توقع الرياض بعد على (البروتوكول الإضافي) المعني بإجراء عمليات تفتيش دقيقة ودورية ومفاجئة، رغم ذلك، يشكل الانتقال من بروتوكول التعاون المحدود(SQP) إلى بروتوكول الضمانات الشاملة (CSA) خطوة إيجابية كبيرة في مسار زعزعة وتنحية الشكوك المثارة في الداخل الأمريكي بخصوص النوايا الحقيقية التي تقف وراء الإلحاح السعودي في طلب التقنيات النووية من واشنطن؛ حيث تعد تلك الخطوة من قبيل شكة الدبوس المغروسة في بالونة الشكوك الأمريكية المبالغ فيها، باعتبار ما تفضي إليه من تجاوب سعودي ذكي وخلاق للشروط الأمريكية السابقة بضرورة إشراف الوكالة على مراحل تطوير البرنامج النووي السعودي، وهو ما فامت به المملكة فعلياً من خلال فتحها مجالاً مشرعاً للشراكة بينها وبين الوكالة، أولاً كبادرة حقيقية لحسن النوايا، وثانياً كخطوة ضرورية من خطوات وضع الحليف الأمريكي أمام مسئولياته المعنية بإثبات جدية الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة (جو بايدن) ورغبتها الحقيقية في تطبيق شراكة استراتيجية متينة مع الرياض من خلال تلبية مطالبها النووية السلمية، وثالثاً لأن التقارب السعودي مع وكالة الطاقة الذرية، سيحرك المياه الراكدة في مسار تطوير البرنامج النووي السعودي، من خلال ممارسة ضغوط واعية وعملية على واشنطن يكون من شأنها الإسراع في كشف مدى الاستعداد الأمريكي لإمداد الرياض ـــ حقيقة وليس كلاماً شفهياً ــ بالتقنيات النووية اللازمة لتشغيل وتطوير برنامجها، وبالتالي، فإن المستوى المتطور والجديد للتعاون السعودي مع الوكالة، يعني صراحة أن الضغط يزداد على واشنطن، فإما أن تستجيب للمطالب السعودية، أو تبدأ الأخيرة بالبحث عن البدائل.
ضغوط الأمير
وإمعاناً في الضغط السعودي المدروس بحرفية على الولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق بالمطالب النووية السعودية، رمى ولي العهد السعودي الأمير (محمد بن سلمان) بحجره الثقيل والصادم في وجه الإدارة الأمريكية الحالية، وفي وجه آخرين ممن يحلو لهم التربص بالمملكة وبشعبها وبطموحاتها المشروعة، ليقضي على أية شبهات أو شكوك مثارة حول البرنامج النووي السعودي، وذلك عندما أعلن صراحة من خلال حواره التليفزيوني الأحدث مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية، بأنه إذا امتلكت إيران السلاح النووي فإن من حق المملكة العربية السعودية امتلاك السلاح ذاته، وهذا الإعلان الصريح والذكي يمثل صفعة قاسية على وجه المشككين في نوايا المملكة ونوايا مسارها التنموي والحضاري؛ فمن جهة أولى، يحمل هذا التصريح رسالة حاسمة وحادة للإدارة الأمريكية بأن الرياض ليست عاجزة عن الحصول على احتياجاتها اللازمة لتطوير برنامجها النووي السلمي أو غير السلمي في حال رفضت تلك الإدارة تلبية هذه الاحتياجات، وأنه رغم قدرة المملكة على استبدال الطموح الصيني أو الروسي أو الفرنسي في المنطقة مثلاً بالحليف الأمريكي في هذه المسألة، إلا أنها حريصة حرص العزيز، على عدم تجاوز التعاون مع الولايات المتحدة من باب الوفاء للشراكة الاستراتيجية المتبادلة بين البلدين، ومن جهة ثانية، يحمل التصريح ذاته رسالة قوية لقوى المحيط الإقليمي وعلى رأسها إيران، بأن التقنيات النووية بشقيها السلمي والحربي، لن يكون حكراً على طرف دون طرف في المنطقة، وبأن متطلبات الردع الإقليمي والدولي هي متطلبات مشروعة للرياض تماما كما هي مشروعة لغيرها من العواصم والدول، ومن جهة ثالثة، فقد كان مما أوضحه ولي العهد السعودي في التصريح المشار إليه، أن السلاح النووي في حقيقته وجوهره، هو سلاح للردع فقط وليس للاستخدام المباشر، ومن ثم، فإن التقنية النووية أولى لها أن تستخدم في بناء الدول وتقدمها وازدهارها وتنميتها الشاملة والمستدامة، وهو ما يأتي على رأس أولويات الرياض في المرحلة الراهنة، وأنه لا يدفع باتجاه التخصيب الهدام، إلا السياسات الدولية الخاطئة والمزدوجة والرامية إلى تحقيق مصالح خاصة على حساب الأمن والسلم الدوليين، ومن ثم فإن على الجميع أن يعلم أن سلمية البرنامج السعودي، ستظل مرهونة بتطورات المشهدين الإقليمي والدولي، شاء من شاء، وأبى من أبى.
مستجدات راهنة
ووفق المتداول من التحليلات الدولية المتخصصة، والمتضمنة لتشريح الموقف الأمريكي تجاه البرنامج النووي السعودي، فإن الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وآخرها إدارة الرئيس بايدن، دأبت على توظيف احتياجات حلفائها من أجل الضغط عليهم لتحقيق مصالح اقتصادية وتجارية واستراتيجية وأمنية خاصة بسياساتها الداخلية والخارجية الرامية إلى الهيمنة والاستحواذ، وبالطبع إلى الوقوف بجانب المصالح الأمنية والعسكرية الخاصة بحليفتها الأقرب في المنطقة (إسرائيل)، ومن ثم، فقد كان من بين الشروط الأمريكية للتعاطي الإيجابي مع المطالب النووية السعودية، انخراط الأخيرة في عملية تطبيع للعلاقات مع الأولى، ورغم أن الديناميكية السياسية الجديدة للمملكة، تتيح لها هذا الانخراط وفق قواعد اللعبة الدولية والإقليمية، ووفق معطيات انفتاحها الهادف إلى اختبار الأوراق والأطراف في المنطقة، إلا أن الأجواء ليست مهيأة بعد لحدوثه، وخاصة بعد التداعيات الأخيرة التي خلفتها عملية (طوفان الأقصى)، وإلى جانبها التداعيات الكارثية التي أحدثتها الضربات الانتقامية ضد المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ وغيرهم في قطاع غزة، بالإضافة لما أحاط بهذه الأحداث من تدخلات سافرة للإدارة الأمريكية ساعدت على زيادة حصيلة الشهداء والمصابين في القطاع، ورفعت وتيرة السخط الشعبي عربياً وإسلامياً، وهو ما شكل انتهاكاً صريحاً للتوازن الأمريكي المتوقع في مثل هكذا أحداث، وبالتالي، فقد تعقدت الأمور تسبياً، وألقى التوتر المتصاعد حالياً في المنطقة، بظلاله على أفعال وردود أفعال الجميع، الأمر الذي يُتوقع معه انشغال المشهد الإقليمي والدولي بتطورات القضية الفلسطينية لفترة من الزمن، بالتأكيد سيتم خلالها إرجاء البت في العديد من المسائل العالقة، ومنها مسألة التجاوب الأمريكي مع المطالب النووية السعودية، اللهم إلا إذا دخل ملف التطبيع باعتباره ورقة من أوراق الترويض السعودي الناعم للعنف والبطش المتصاعد في المنطقة.
منطلقات ومخاوف
وبصفة عامة، يجب الاعتراف فيما يخص المسألة النووية السعودية، بوجود مخاوف ثنائية خاصة، ومعوقة لدى الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة العربية السعودية، كل بحسب اعتباراته وخصوصياته وأهدافه؛ فواشنطن من جهتها تدرك أهمية المطالب الثلاثة للرياض، وهي تحصيل التكنولوجيا العسكرية الأمريكية، والحصول على الدعم الأمني، وتعزيز تطوير برنامج نووي مدني في الداخل السعودي، ولكنها أيضاً لا تخفي مخاوفها الشديدة من المطلب الأخير، والذي يمكن أن يؤدي إلى حيازة السعودية تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم المفضية في الغالب إلى إمكانية إنتاج أسلحة نووية عبر إعادة معالجة الوقود المستخدم والحصول من خلال هذه المعالجة على البلوتونيوم المتفجر، وفي سياق هذه المخاوف الأمريكية، غالباً ما يتم التذكير محلياً في دهاليز الحكم، بالدور الأمريكي خلال الثلاثينيات، وتحديداً عام 1930، عندما ساهمت شركات النفط الأمريكية في امتلاك السعودية و استحواذها على أكبر شركة نفط في العالم، ومن ثم تخشى واشنطن أن تساهم مجدداً في استحواذ الرياض على أكبر شركة نووية على غرار امتلاكها سابقاً أكبر شركة نفطية، ويعزز من المخاوف الأمريكية، تنامي إشكاليات البرنامج النووي الإيراني، بالتزامن مع تصريح مسؤولين سعوديين كثر، بأحقية بلادهم في امتلاك الردع النووي في حال امتلكته طهران، ما يعني بالنسبة لواشنطن، أنه في حال تمت الموافقة على المطالب النووية السعودية، فإن تلبية هذه المطالب، سيكون قي مستوى المطالب الإيرانية التي قامت بتلبيتها الولايات المتحدة الأمريكية خلال الاتفاق النووي لعام 2015، إن لم يكن أعلى من ذلك.
أما الرياض فمن جهتها، يشكل المطلب الأمريكي لها بالتطبيع مع إسرائيل، مأزقاً أيديولوجياً يزيد من صعوبته غطرسة الأخيرة وممارساتها القاسية في المنطقة وانتهاكاتها الجسيمة في حق المقدسات الإسلامية، كونها كياناً محتلاً، وخاصة في ظل ما تمثله المكانة الدينية الكبرى للسعودية باعتبارها حاضنة البيت العتيق، وقبلة المسلمين من كافة بقاع الأرض، كما أن مؤشرات وصول إيران القريب لدولة نووية، يشكل مخاوف إضافية للرياض من نفاد الوقت المناسب للبدء في مشروعها الوطني لامتلاك التقنيات النووية.
براغماتية حلفاء
وختاماً، لابد من التأكيد على مشروعية الطموح النووي السعودي، خاصة مع حجم التحولات النهضوية الكبير الذي تشهده البلاد، والذي يمنح صاحب القرار الحق المطلق في طلب التقنيات السلمية للبرنامج النووي الهادف إلى استكمال البناء والتنمية، وليس من المقبول حتماً، أن تُمنح التقنيات لطرف، وتمنع عن طرف آخر، لمجرد الشكوك في النوايا والأهداف، طالما أن طالب التقنية قد قام بما عليه من تبعات ومسؤوليات لإثبات حسن النية ووجاهة المنطلقات والأسباب الدافعة إلى امتلاكها، وفي مقدمة ذلك تأسيس علاقة مفتوحة وغير مشروطة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو ما يشهد تطوراً ملموساً أمام الجميع، بشكل يُتوقع معه، خلال فترات قادمة، انتقال التعاون الإطاري بين السعودية والوكالة، من بروتوكول الضمانات الشاملة، إلى التوقيع على البروتوكول الإضافي، على غرار توقيعات مشابهة لأكثر من 130 دولة حول العالم، وهذا لن يحدث في الغالب، إلا بعد تحقق الاستجابة الأمريكية للمطالب السعودية، وخاصة المطلب النووي، وهو ما نتوقع حدوثه على أرجح التقديرات، خاصة مع حرص واشنطن على الاحتفاظ بالحليف السعودي القادر على إحداث التوازن في المنطقة، وتحاشياً لقيامه باستقدام التقنيات من خلال روسيا أو باكستان أو الصين أو من غيرهم، وأخيراً لبراجماتية المصالح الأمريكية، واعتياد قادة الولايات المتحدة على تطويع القوانين والقرارات وفق مقتضيات المصالح العليا، وهذا حدث فعلياً ضمن ذات الإطار الحالي بين واشنطن والرياض ولكن مع دول أخرى مثل الهند واليابان وكندا وبريطانيا وفرنسا، عندما تم السماح لهم بالتخصيب ضمن اتفاقات للتعاون النووي المدني، وعلى أية حال، لابد من التسليم، في ظل وجود مواقف أمريكية معاكسة لذات النهج تجاه دول عربية أخرى حُرمت من التخصيب كالأردن والإمارات العربية المتحدة، فإن الاسترضاء الأمريكي لإسرائيل سيكون في الغالب على رأس أولويات الإدارة الأمريكية الحالية أو التالية، كشرط متقدم من شروط منح التقنية النووية للحليف السعودي.