احتلت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المرتبة السابعة ضمن أكبر أسواق العملات الرقمية على مستوى العالم، بقيمة تعاملات تقدّر بنحو 339 مليار دولار بين يوليو 2023 ويونيو 2024، وهو ما يمثل 7.5% من إجمالي حجم التعاملات عالمياً، وفق أحدث دراسة لـ تشيناليسيس (Chainalysis).
وخلصت نتائج البحث الذي أجرته الشركة العالمية المتخصصة في تقنية البلوكتشين، إلى أن سوق العملات الرقمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا واصلت النمو بمعدل ملحوظ بلغ 11.73% على أساس سنوي، وكان هذا النمو أكثر وضوحاً بشكل خاص في الأسواق الناضجة، مثل السعودية والإمارات اللتين سجلتا 34 مليار دولار و47.1 مليار دولار من التعاملات على التوالي، أي ما يمثل زيادة سنوية بنسبة 42% للإمارات، و153% للسعودية التي كانت الأسرع نمواً بين دول المنطقة.
وبحسب إريك جاردين، رئيس قسم أبحاث الجرائم الإلكترونية في شركة “تشيناليسيس”، وأحد أبرز المشاركين في البحث، فإن أسواق العملات الرقمية نضجت بسرعة في جميع أنحاء العالم، مع وجود لوائح حكومية مواتية، وأداء قوي للأصول، إلى جانب جودة الخدمات من مقدمي خدمات الأصول الافتراضية المسجلين (VASPs)، وكلها عوامل رئيسة عززت التوجه نحو تبني تلك الأصول.
وأضاف جاردين، تعليقاً على نتائج البحث الأخير التي أعلن عنها، الأربعاء: “في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تساعد أيضاً في ذلك التركيبة السكانية بما تضمه من مجموعات كبيرة من الشباب، فضلاً عن النسب العالية للأشخاص الذين لا يمتلكون حسابات مصرفية تقليدية”.
ولاحظت “تشيناليسيس” وجود أدلة على النضوج السريع لسوق العملات الرقمية في المنطقة، لتصبح فئة أصول استثمارية رئيسة، إذ شكلت التعاملات المؤسساتية والإحترافية، أو تلك التي تفوق قيمتها 10 آلاف دولار، 93% من حجم العملات الرقمية المحوّلة في المنطقة بين يوليو 2023 ويونيو 2024.
السعودية تحقق قفزات نوعية
وفي الواقع، سجلت السعودية قفزات نوعية، إذ نمت التعاملات المؤسساتية الكبيرة (التي تفوق 10 ملايين دولار) والمؤسساتية (بين مليون دولار و10 ملايين دولار) والتحويلات الإحترافية (بين 10 آلاف دولار ومليون دولار) بنسبة 236% و146% و99.7% على التوالي، وشهدت الإمارات نمواً سنوياً في التحويلات المؤسساتية الكبيرة، والمؤسساتية، والتحويلات الإحترافية بنحو 20.13% و55.07% و46.3% على التوالي.
وبحسب بيانات “تشيناليسيس”، التي سلطت الضوء على العملات الرقمية المفضلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، اكتسبت العملات المستقرة والعملات البديلة، حصة سوقية على حساب الأصول المفضلة تقليدياً مثل البيتكوين والإيثيريوم، خصوصاً في السعودية والإمارات إلى جانب تركيا.
ومن المثير للاهتمام أن حجم العملات المستقرة المستلمة في كل من السعودية والإمارات تخطى المتوسط العالمي، إذ شكل 46.1% في السعودية و51.3% في الإمارات، فيما المتوسط العالمي يقف عند 44.7%، وفق ما استنتجه البحث.
في المقابل، كانت حصة البيتكوين، العملة الرقمية الرئيسية، والتي تم تلقيها في هاتين الدولتين، أقل من المتوسط العالمي (22.3%)، وجاءت عند 16.4% في السعودية، و16.5% في الإمارات.
أما استخدام عملة الإيثيريوم فكان ثابتاً نسبياً في جميع أنحاء المنطقة، لكنه يقِلّ عن المتوسط العالمي.
وفي الوقت ذاته، تظهر السعودية اهتماماً قوياً بالعملات البديلة، أعلى بكثير من المتوسط العالمي، ما يعكس ربما شهية أعلى للمخاطرة، واهتماماً بمجموعة متنوعة من الأصول خارج العملات الرقمية الرئيسة.
بهذا الصدد، أشار رئيس قسم أبحاث الجرائم الإلكترونية في الشركة، إلى أن “العملات البديلة توفر التنوّع وفرص الاستثمار خارج سوق البيتكوين المهيمنة، وهي غالباً ما تخدم وظائف أو قطاعات محددة”، وقال:”على سبيل المثال، توفر بعض العملات البديلة ميزات خصوصية محسّنة، بينما تُستخدم عملات أخرى في منصات التمويل اللامركزي (DeFi)، والتي تحظى بشعبية في دول مثل الإمارات والسعودية”.
وبشكل عام، تبقى البورصات المركزية (CEXs) المصدر الأساسي لتدفقات الأصول الرقمية عبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما يشير إلى أن معظم المستخدمين والمؤسسات لا يزالون يفضلون منصات التشفير التقليدية، غير أن المنصات اللامركزية وتطبيقات التمويل اللامركزية (DeFi) بدأت تكتسب زخماً مطرداً، بحسب ما توصل إليه البحث.
ويقدم التمويل اللامركزي نظاماً مالياً بديلاً لغير المتعاملين مع البنوك، أو لأولئك الذين لا يتعاملون معها بقدرٍ كاف، وهو أمر بالغ الأهمية لمنطقة أكثر من نصف البالغين فيها،باستثناء الاقتصادات ذات الدخل المرتفع، ليس لديهم حساب مصرفي، وفق أرقام 2021 التي استندت إليها “تشيناليسيس” في تقديراتها.
وبالرغم من تقدم الشمول المالي في دول الخليج، برز الاهتمام في كل من السعودية والإمارات بالمنصات اللامركزية، إذ تستحوذ البورصات اللامركزية (DEXs) على 30.9% 32.4% من حجم التعاملات فيهما على التوالي.
وأوضح رئيس قسم أبحاث الجرائم الإلكترونية في “تشيناليسيس”، أن “التمويل اللامركزي يمثل أحدث ما توصلت إليه تقنية البلوكتشين، لذلك يشير هذا النمو المذهل في التمويل اللامركزي في كل من السعودية والإمارات، إلى حيازتهما نظاماً بيئياً للعملات الرقمية، متقدماً وناضجاً بشكل خاص”.
وبرأيه، “من الراجح أن يكون للتركيبة السكانية في السعودية دور في الاستخدام المرتفع للتمويل اللامركزي، إذ إن نسبة 63% من السعوديين تقل أعمارهم عن 30 عاماً، وهذا مهم بشكل خاص من منظور التكنولوجيا الناشئة، إذ تميل الأجيال الأصغر سناً إلى أن تكون أكثر انفتاحاً على تجربة التقنيات المالية الجديدة”.
أما الإمارات، فتظهر تبنياً أعلى للتمويل اللامركزي، مقارنة بالمتوسط العالمي، و”يرجع ذلك على الأرجح إلى موقفها التنظيمي التقدمي الذي عزز الوضوح حول فئات معينة من المشاركة في العملات الرقمية، بحسب جاردين، مضيفاً أن “النهج التنظيمي الاستباقي والتعاوني لدولة الإمارات تجاه شركات العملات الرقمية والويب 3، اجتذب مجموعة متنوعة من المستخدمين، وعزز مكانة الإمارات كمركز للتمويل اللامركزي ونشاط العملات الرقمية الأوسع”.
اقرأ أيضاً: أبرز الإنجازات الاقتصادية السعودية خلال عام