بينما تنزف أرض السودان تحت وطأة الصراعات، تتسابق جهود المجتمع الدولي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، محاولين رسم ملامح سلام غائب وسط العواصف، وفي قلب هذه التحركات، تقف المملكة العربية السعودية شاهدةً وفاعلة، تمد يدها للتوفيق بين الأطراف المتناحرة، واضعةً إعلان جدة كخارطة طريق لإنهاء النزاع المستعر.
ومن نواكشوط، عاصمة التنسيق الجديد، تتقاطع الإرادات الدولية، أملاً في توحيد الأصوات والمبادرات لإعادة السودان إلى مساره الطبيعي، لقاء ثالث يجمع أطرافاً متعددة، تحمل كل منها رؤيتها وأدواتها، لكنها تتفق على هدف واحد: وقف القتال ورفع المعاناة عن شعبٍ أرهقته الحرب وشردته النزاعات.
وفي التفاصيل، أكدت المملكة العربية السعودية أهمية إنهاء النزاع المسلح في السودان، مشددة على أن البداية الفعلية لحل الأزمة تتطلب وقفاً فورياً للقتال وتوفير دعم إنساني شامل للسكان المتضررين، ودعت إلى تعزيز التعاون مع الدول العربية والإسلامية والدول الصديقة لتحقيق الاستقرار، مرحّبةً بالمبادرات الدولية الهادفة لإنهاء الصراع.
وشددت على ضرورة التزام الأطراف السودانية بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في إعلان جدة، الذي يُعد خطوة محورية في مساعي تحقيق السلام.
وشهدت العاصمة الموريتانية نواكشوط، انعقاد الاجتماع التشاوري الثالث للمبادرات الدولية الرامية إلى إنهاء الأزمة السودانية، إذ جمع اللقاء ممثلين عن الاتحاد الأفريقي، والاتحاد الأوروبي، وجامعة الدول العربية بقيادة البحرين، ومنظمة «إيغاد» التي ترأسها جيبوتي، إلى جانب الأمم المتحدة، والمملكة العربية السعودية، ومصر، والولايات المتحدة الأميركية.
وجاء هذا الاجتماع في إطار جهود تنسيق المبادرات المختلفة لتجنب تداخلها وضمان تكاملها، حيث أكد المشاركون في بيانهم الختامي التزامهم بتوحيد مسارات العمل لتعزيز السلام في السودان، وجرى اعتماد آلية عمل لفريق فني مشترك لتبادل المعلومات وضمان التنسيق المستمر بين المبادرات المختلفة.
وفي كلمته خلال الاجتماع، استعرض نائب وزير الخارجية السعودي، وليد الخريجي، الجهود الحثيثة التي تبذلها المملكة لاحتواء الأزمة السودانية، وأشار إلى مباحثات «جدة 1» التي توجت بتوقيع إعلان جدة، والذي أكد على الالتزام بحماية المدنيين ووقف إطلاق النار قصير الأمد، كما سلط الضوء على مباحثات «جدة 2» التي ركزت على التوصل إلى حل سياسي شامل ومستدام يضمن أمن السودان واستقراره ويحفظ وحدة مؤسساته ويمنع انهيارها.
اقرأ أيضاً: السودان: السعودية قلقة وتطالب بالعودة إلى «إعلان جدة»
وأكد الخريجي التزام المملكة بمواصلة التنسيق مع الدول العربية والإسلامية والدول الصديقة، مشيداً بالخطوات الإيجابية التي اتخذتها السلطات السودانية، مثل تمديد فتح معبر أدري الحدودي مع تشاد، وفتح مطارات إضافية لتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية للمناطق المتضررة.
وافتتح الاجتماع سفير جيبوتي لدى السودان، عيسى خيري روبله، الذي أكد أن المرحلة الراهنة تتسم بحساسية بالغة نتيجة استمرار النزاع المسلح في السودان منذ ما يقارب العامين، وأوضح أن الاجتماع الذي استضافته جيبوتي في يوليو الماضي أسفر عن إعلان يدعو إلى الوقف الفوري للأعمال العدائية وإطلاق عملية سياسية شاملة تضم جميع الأطراف، مع ضمان توفير استجابة إنسانية شاملة وعاجلة.
من جهته، تسلّم وزير الخارجية الموريتاني، محمد سالم ولد مرزوك، رئاسة الاجتماع التشاوري، مشيراً إلى أهمية تضاعف الجهود الدولية لتحقيق أهداف السلام، ودعا ولد مرزوك الشركاء الدوليين إلى التحلي بروح التضامن والعمل المشترك، مشدداً على أن نجاح الجهود يتطلب تنسيقاً شاملاً وموحداً بين جميع الأطراف.
وتطرق الاجتماع إلى التحديات الإنسانية الكبيرة التي يواجهها الشعب السوداني، حيث وصف ولد مرزوك الأزمة الحالية بأنها الأشد إلحاحاً في تاريخ السودان الحديث، ودعا إلى استجابة إنسانية فورية وشاملة للتخفيف من معاناة المدنيين، مشيراً إلى أهمية ضمان وصول المساعدات دون عوائق إلى جميع المناطق المتضررة.
كما ناقش الاجتماع السبل المبتكرة لتعزيز آليات التنسيق بين المنظمات الدولية والإقليمية، والعمل على إعداد خطط شاملة لإعادة الإعمار وتنشيط الاقتصاد السوداني، فيما أكد المشاركون على ضرورة توحيد الجهود لتجنب ازدواجية المبادرات وضمان تكامل الأدوار بين مختلف الأطراف.
واختُتم الاجتماع بتوصيات تهدف إلى وضع خطوات عملية لتنفيذ أهداف السلام، مع التركيز على وقف إطلاق النار بشكل دائم كخطوة أساسية لحماية المدنيين وضمان إيصال المساعدات، وشدد المشاركون على أهمية وضع رؤية سياسية شاملة تضمن استقرار السودان على المدى البعيد وتحفظ سيادته ووحدة أراضيه.
اقرا أيضاً: مجلس التعاون الخليجي: ندعم وحدة وسيادة وأمن سورية
إلى جانب ذلك، أكّد الاجتماع على أهمية مواصلة الاجتماعات التشاورية بين الأطراف الدولية والإقليمية، حيث سبق أن عُقدت اجتماعات مماثلة في القاهرة وجيبوتي خلال الأشهر الماضية، وجدد المشاركون التزامهم بروح المسؤولية الجماعية والعمل على تعزيز جهود السلام والاستقرار في السودان.
ومن جانبه، أكد وزير الخارجية الموريتاني أن المرحلة المقبلة تتطلب التركيز على تحقيق السلام والتنمية في السودان، من خلال تقديم دعم مستدام للمؤسسات الوطنية وتعزيز الحكم الرشيد، وشدد على أن نجاح هذه الجهود يعتمد على تكامل الأدوار بين الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية ومنظمة «إيغاد» والأمم المتحدة، بالإضافة إلى المبادرات الدولية مثل منبر جدة ودول الجوار.
هذا واختُتم الاجتماع بتأكيد أهمية الالتزام برؤية موحدة تعكس تطلعات الشعب السوداني نحو مستقبل مستقر ومزدهر، ودعا المشاركون إلى العمل بروح الشراكة والتنسيق المشترك لتحقيق أهداف السلام وإعادة بناء السودان على أسس متينة تضمن استقراره واستدامة تنميته.