في لحظة مفصلية من تاريخ العلاقات الدولية، احتضنت العاصمة السعودية الرياض قمة غير تقليدية جمعت بين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأميركي دونالد ترامب، لتشكل بداية مرحلة جديدة توصف بـ«العصر الذهبي» في الشراكة بين الرياض وواشنطن. وهذه الزيارة المستمرة حتى اللحظة ليست مجرد زيارة دبلوماسية تقليدية، بل جاءت مصحوبة بحزمة من الاتفاقيات الضخمة، والتحولات الاستراتيجية التي أعادت رسم خريطة التعاون بين البلدين في مجالات متعددة من الاقتصاد إلى الدفاع والتكنولوجيا.
ترامب في الرياض: تحالفات عابرة للقطاعات
شهد قصر اليمامة في الرياض أعمال القمة الثنائية التي جمعت الزعيمين، حيث نُوقشت ملفات إقليمية ودولية، وبحث الطرفان سبل تعزيز الشراكة الاستراتيجية في مختلف المجالات. وتم خلال اللقاء توقيع وثيقة شراكة اقتصادية غير مسبوقة بين الحكومتين، اعتبرها البيت الأبيض إعلاناً عن مرحلة ذهبية جديدة من التعاون.
منتدى الاستثمار: منصة للصفقات والتحالفات
وتزامناً مع زيارة ترامب، انطلقت فعاليات منتدى الاستثمار السعودي – الأميركي، الذي حظي بمشاركة واسعة من مسؤولي البلدين وقادة كبرى الشركات العالمية. ولم يكن المنتدى مجرد مناسبة استعراضية، بل كان مسرحاً لتوقيع اتفاقيات بقيمة 300 مليار دولار، في قطاعات حيوية مثل الدفاع، والبنية التحتية، والتكنولوجيا والطاقة.
وفي كلمته أمام الحضور، أشار الأمير محمد بن سلمان إلى أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين تعود لأكثر من تسعين عاماً، مؤكداً أن السعودية هي الشريك الاقتصادي الأكبر لأميركا في المنطقة، وأن الصفقات الموقعة تمهد للوصول إلى شراكات تُقدّر بتريليون دولار في المستقبل القريب.
رسائل سياسية وتحذيرات لإيران
من جانبه، حمل الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال كلمته في المنتدى نبرة حادة تجاه إيران، قائلاً إن بلاده تعرض «مساراً جديداً» لطهران، لكنها مستعدة للضغط بقوة إذا استمرت السياسات العدائية. كما أعرب عن دعمه لمستقبل أفضل للبنان وأهل غزة، ملمحاً إلى أن أحداث السابع من أكتوبر ما كانت لتقع لو كان في منصب الرئاسة حينها.
وشكر السعودية على مساهماتها الإيجابية في محادثات أوكرانيا، مؤكداً على أهمية دور المملكة في إرساء الاستقرار في الشرق الأوسط.
اقرأ أيضاً: النووي السعودي شيء والتطبيع شيء آخر.. ترامب يرتجل حلّ مفاجئ ضدّ الكيان!
صفقات الذكاء الاصطناعي
واحدة من أبرز محطات المنتدى كانت تسليط الضوء على استثمارات ضخمة في قطاع الذكاء الاصطناعي، إذ جذبت شركة «هيوماين»، التي أطلقها ولي العهد مؤخراً، اهتماماً واسعاً واستثمارات تجاوزت 15 مليار دولار، في إشارة إلى رغبة المملكة في أن تكون لاعباً أساسياً في هذا القطاع المستقبلي.
ورافق الرئيس الأميركي وفد رفيع من رجال الأعمال وقادة الشركات الكبرى، أبرزهم إيلون ماسك Elon Musk (مؤسس «سبيس إكس»)، لاري فينك (الرئيس التنفيذي لـ«بلاك روك»)، سام ألتمان (مؤسس «أوبن إيه آي»)، وروث بورات (المديرة المالية في «غوغل»). ووجود هؤلاء عكس الثقل الاقتصادي والتكنولوجي الذي تحمله الزيارة.
هذا وشدد وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح على أن المملكة لا تسعى فقط لجذب رؤوس الأموال بل تهدف لبناء شراكات نوعية تنقل التكنولوجيا وتوطن الصناعات، مستنداً إلى استقرار السياسات الاقتصادية ووضوح الرؤية التنموية للبلاد.
تعاون طاقي شامل
أعلنت وزارة الطاقة السعودية عن توقيع اتفاقيات في قطاع الطاقة بقيمة 120 مليار دولار، شملت النفط، الغاز، الكهرباء، والصناعات البتروكيميائية. ومن بين هذه الاتفاقيات، توقيع مذكرة تفاهم بين وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان ونظيره الأميركي كريس رايت لتوسيع التعاون في مجالات الطاقة النووية السلمية، الهيدروجين، الأمن السيبراني، وكفاءة الطاقة.
تثبيت شراكة متعددة الأبعاد
ومع اختتام زيارة الرئيس ترامب، تكون السعودية قد أظهرت قدرتها على إعادة صياغة تحالفاتها بأسلوب عصري يوازن بين الاقتصاد والسياسة والتكنولوجيا، بينما تؤسس لعلاقة استراتيجية بعيدة المدى مع القوة الأولى في العالم حتى اللحظة. فالـ «العصر الذهبي» الذي أُعلن عنه لم يكن مجرد شعار، بل يبدو بداية فعلية لمشروع شراكة يهدف لإعادة ترتيب أولويات المنطقة على أسس المصالح المشتركة والتعاون المتكافئ.
المصادر
