في عالم مليء بالتحديات الاقتصادية والاضطرابات العالمية، تبرز دول الخليج كنماذج للاحتفاظ بمرونتها واستدامتها الاقتصادية. ففي الوقت الذي تكابد فيه اقتصادات بعض المناطق حول العالم من تأثيرات متعددة، تتمتع دول الخليج بقدرة فريدة على التكيف والتطور، وهذا لا يعني غياب التحديات بطبيعة الحال، بل هو مؤشر على تصميم هذه الدول على تحقيق النمو والتنوع في اقتصاداتها، بعيداً عن الاعتماد التقليدي على النفط.
في هذا المقال، نتناول توقعات البنك الدولي لنمو اقتصادات الخليج وكيفية تصدر السعودية لهذه التوقعات، إلى جانب الاستراتيجيات الاقتصادية التي وضعتها دول المنطقة لمواجهة المستقبل بثقة.
توقع البنك الدولي أن يشهد نمو اقتصادات دول الخليج تسارعاً ملحوظاً ليصل إلى 4.2% في عامي 2025 و2026، بقيادة القطاع غير النفطي، وأشار إلى أن السعودية ستكون في مقدمة الدول التي تحقق هذا النمو، حيث يتوقع أن تسجل 4.8% في العام المقبل، وفي المقابل، خفض البنك توقعاته للنمو هذا العام إلى 1.6%، معتبراً أن المنطقة أظهرت قدرة كبيرة على التكيف مع التحديات العالمية، واستمرت في تعزيز جهود التنوع الاقتصادي.
وقد جاء هذا التعديل في التوقعات للمرة الثالثة من قبل البنك الدولي، حيث كانت التوقعات في يونيو 2.8%، ثم في أكتوبر 1.9%، ليصل التخفيض إلى 1.6% في تقريره الأخير الذي أصدره في خريف 2024 من الرياض.
وبين التقرير أن القطاع غير النفطي لا يزال المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي في المنطقة، حيث حقق نمواً قوياً بنسبة 3.7%، مدفوعاً بشكل رئيسي بالإصلاحات الاقتصادية المستمرة وبرامج التنوع الاقتصادي في دول الخليج.
اقرأ أيضاً: الربط الكهربائي مع السعودية مفتاح السوق العربية المشتركة
ورغم أن النمو الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي يظل مرتبطاً بأسواق الطاقة العالمية، إلا أن التأثيرات السلبية قد تراجعت بفضل التوسع في القطاعات غير النفطية، وقالت صفاء الطيب الكوقلي، المديرة الإقليمية للبنك الدولي في دول مجلس التعاون الخليجي، إن السعودية سجلت تراجعاً بنسبة 6% في قطاعها النفطي هذا العام، مما يعكس تزايد الاعتماد على القطاعات الأخرى.
وتتزامن هذه التوقعات مع اقتراب اجتماع «أوبك بلس» لبحث سياسة إنتاج النفط، حيث تشير التوقعات إلى إمكانية تأجيل خطط زيادة الإنتاج بشكل تدريجي، وعلى الرغم من ذلك، لا تتوقع صفاء أن يكون لهذا التأجيل تأثير كبير على نمو اقتصادات الخليج، بالنظر إلى أن هذه الاقتصادات تعتمد بشكل متزايد على القطاع غير النفطي، وأكدت على ضرورة استمرار الحكومات في تنفيذ سياسات اقتصادية حكيمة لضمان نمو مستدام في المستقبل.
وفيما يخص التوقعات لعام 2025، يتوقع البنك الدولي أن تحقق السعودية أعلى معدل نمو في المنطقة بنسبة 4.7%، تليها الإمارات بنمو قدره 4.1%، ثم البحرين 3.3%، سلطنة عمان وقطر 2.7% لكل منهما، وأخيراً الكويت بنمو قدره 2.5%.
ومنذ بداية الألفية الجديدة، كانت اقتصادات دول الخليج تعتمد بشكل أساسي على النفط كمصدر رئيسي للإيرادات، إلا أن الرياح الاقتصادية العاتية التي عصفت بالأسواق العالمية في العقدين الأخيرين قد جعلت تلك الدول تدرك ضرورة التوسع في قطاعات أخرى، ومن هنا بدأت رحلة التحول التي تتبناها هذه الاقتصادات، التي قامت بتركيز استثمارات ضخمة في تطوير القطاعات غير النفطية مثل السياحة، والتكنولوجيا، والخدمات المالية، والتعليم، والطاقة المتجددة.
فعلى سبيل المثال، شهدت المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة تحولات هائلة في إطار “رؤية السعودية 2030“، التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد الوطني بعيداً عن النفط وتعزيز دور القطاع الخاص، وترافق ذلك مع العديد من الإصلاحات الاقتصادية التي شملت تحسين بيئة الأعمال، وتسهيل الإجراءات الحكومية، وتعزيز استثمارات القطاع الخاص.
اقرأ أيضاً: ميزانية السعودية 2025: رفاهية المواطن في المقدمة
في الوقت ذاته، أدركت الإمارات أهمية تنويع محفظتها الاقتصادية، وركزت على تطوير القطاعات غير النفطية مثل السياحة والفنادق والخدمات المالية والمشاريع البنية التحتية، ما جعلها في صدارة الدول التي تطبق سياسات التنوع الاقتصادي.
وبينما تنتهج دول مجلس التعاون الخليجي استراتيجيات مماثلة، تواجهها تحديات عالمية، مثل التقلبات في أسعار النفط وأزمة سلاسل التوريد والتغيرات السياسية، ومع ذلك، تبرز قدرة هذه الدول على التكيف مع هذه التحديات، حيث استمرت في تنفيذ خططها التنموية رغم الظروف الاقتصادية العالمية الصعبة.
ووفقاً لتقرير البنك الدولي، استطاعت هذه الدول الحفاظ على استقرار نسبي بفضل اعتمادها على استراتيجيات التنوع الاقتصادي، التي جعلت القطاع غير النفطي يتحمل مسؤولية النمو الاقتصادي في المنطقة.
وفيما تتأهب اقتصادات دول الخليج لمواجهة الأعوام القادمة، فإنّ توقعات البنك الدولي تشير إلى أن القطاع غير النفطي سيكون المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي في السنوات 2025 و2026، ورغم خفض توقعات النمو الاقتصادي لعام 2024، إلّا أن البنك الدولي يثني على قدرة المنطقة على الصمود أمام الاضطرابات الاقتصادية العالمية.