من منا لم يسمع عن كرم الضيافة في السعودية، من منا لم يشاهد التمور والقهوة والحلويات والمناسف التي تُقدم للضيف أثناء زيارته للمملكة العربية، عادات وتقاليد للضيافة اعتنقها السعوديون منذ أزمان حتى أصبحوا أهلاً لها.
لفتت بروتوكلات الضيافة في السعودية خاصةً ومنطقة شبه الجزيرة العربية عامةً أنظار علماء الغرب ليكتشفوا هذه العادات ويفسروها علمياً وفق علم الإنسان والأنثربولوجيا وبالغوا في حب هذه الصحراء.
فبسبب الفقر وقلة الموارد في الصحراء القاحلة حاول العرب أن يوجدوا حلاً وسطياً بين التقشف والمحافظة على صفة الكرم، وأكدوا أن الفقير يجب أن يحافظ على ماء وجهه أمام الضيوف مثل الغني تماماً، لذلك صنع المختصين ما يسمى بروتوكولات الضيافة الذي يضمن هذه المعادلة، وربطوا هذه البروتوكولات بالقيم الأخلاقية، وبالتالي عيب ازا ما قام بها المُضيف.
بالبداية من المعيب أن تصب كمية كبيرة من القهوة في الفنجان، ويجب أن تصب فقط 20% منه حتى لا يخجل الفقير من صب كمية قليلة في الفنجان الصغير أصلاً، وكذلك هناك عدد من فناجين القهوة تقدم للضيف وتم إطلاق اسم لكل واحدة منها، فالفنجان الأول يُسمى فنجان الضيف وهو فنجان الضيافة ومن المعيب أن لا يشربه الضيف، أما الفنجان الثاني إذا أراد أن يشربه فيُسمى فنجان الكيف لأنه يتمتع به، أما الفنجان الثالث فنجان السيف فهو بمثابة محاربة الناس الذين هو بضيافتهم أو محاربته معهم ضد أعدائهم.
في حين لو جاء الضيف الغريب للزيارة فيجب حكماً أن ينزل لدى شيخ القبيلة أو كبيرهم، حتى لا يحمّل الفقير أكثر من استطاعته في الضيافة، إضافة إلى أنه يعد من المعيب أن لا يستقبل شيخ القبيلة ضيوفه.
لم يكن من ضمن العادات أن يتم تقديم خاروف او لحم كامل، فالمدة ليست ببعيدة كان العرب ومن ضمنهم السعوديون يقدمون الرز والمرقة للضيف وبعد أن يأكل ولا يشبع منها يقول لهم “عطينا اللي عندكم” وهنا يقدم له اللحم، ومن ضمن العبارت المستخدمة لتبرير أي تقصير بحق الضيف هي “جود من الموجود”.
ومن ضمن العادات في بعض القبائل السعودية أن يتم إطفاء الأنوار أثناء الأكل حتى لا يخجل الضيف من الأكل براحته، ولا يخجل أيضاً المضيف من قلة حيلته، وقال علماء النفس والأنثربولوجيا أن بعض القبائل تشترط تقديم البخور والعود بعد الانتهاء من الأكل كدليل على انتهاء الضيافة لذلك يقول المثل الشعبي “ما بعد العود قعود”.
تبقى الأبواب مفتوحة أمام الضيوف في المملكة العربية السعودية، وترتكز العائلة السعودية على التجمع على المائدة بحضور الضيف.
هناك أيضاً عرف سائد في المناطق السعودية كافة يقضي بأن المضيف لا يحق له أن يبدأ تناول الوليمة قبل الضيف، وألا ينظر إلى الضيف عند تناول الأخير للطعام لكيلا يشعر الضيف بالحرج، وبعد الشبع لا يُسمح للمضيف أن ينهض عن المائدة قبل ضيفه، وهو ما يجعل المضيف يأكل بتأن ولا يُظهر انتهاءه من الأكل إلا بعد أن ينتهي الضيف من ذلك، وهي كلها عادات متعارف عليها لكي تمنح الضيف شعوراً بالراحة عند الاستضافة.
اقرأ أيضاً: وزارة السياحة تطلق الحملة العالمية لروح السعودية
وفي العصور الحديثة، لا تزال الضيافة تحتل مكانة مهمة في الوطن العربي، حيث يستقبل العرب الزوار والضيوف بالترحيب والكرم والحسنى، ويعرفون بكرمهم وسخائهم في التعامل مع الآخرين، حيث يعد الطعام والشراب جزءاً هاما من الضيافة في الوطن العربي، حيث يتم تقديم مجموعة متنوعة من الأطعمة والمشروبات المتنوعة وعلى رأسها القهوة التي أبدع العرب في طرق إعدادها أو حتى الأدوات المستخدمة في تحضيرها.
الآن تُبدع السعودية في فن الضيافة وتدمج بين الحاضر والماضي فيها، فالتمور ضمن أصول الضيافة أصبحت الآن تقدم بطريقة حديثة يتم فيها تكوين أشكال مختلفة وتُغلف بطريقة مميزة، ويعد تقديم الهدايا للضيوف عادة شائعة في الثقافة السعودية، ويفضل أن تكون الهدية مناسبة للمناسبة والشخص، وتتوافق مع التقاليد الإسلامية.
تطورت الضيافة بمرور الوقت وتغيرت أشكال الدلال إلى الترامس التي تحتفظ بحرارة المشروبات لفترات أطول، ولكن على رغم من هذا التطور إلا أن بعض القبائل البدوية مازالت تحتفظ بعاداتها وتقاليدها الأصيلة منذ القدم، يظهر هذا بشكل واضح في بعض القبائل البدوية في المملكة العربية السعودية، بينما هناك بعض القبائل التي تسكب السمن البلدي الطازج على طعام الضيف عندما يبدأ بتناوله، وذلك اعتقادا بأن هذا يعكس الكرم والجود، بينما يمكن أن تقدم بعض القبائل وليمة تتضمن خروفاً للضيف، ولكن شريطة أن يمنع الضيف من تناول عين الخروف أو نقرها من مكانها، وإذا تجاوز الضيف ذلك أو قام بتحريك عين الخروف، فسيتم اعتباره كإشارة لتعييب الطعام وسيتوجب على المضيف ذبح خروف آخر لإرضاء الضيف. وفي بعض الحالات، يمكن أن يطلب المضيف العذر من الضيف بسبب ما تم تقديمه له.
يُقدِّم التمر ذو الجودة العالية مع القهوة ويراعى فيه أن يكون مفرقاً عن بعضه، وغالباً ما تستبدل النواة بحشوة من المكسرات، ويُعد قبول الضيافة المقدمة دليلاً على قبولا لصداقة، تقدم الحلوى أو الشاع بالزنجبيل بعد تقديما القهوة،
عند الجلوس على الطاولة، يجلس الضيف بجانب رب الأسرة، وعادة ما يجلس الضيف الأكثر تكريماً على رأس الطاولة، ولا يُحبّذ بدء تناول الطعام حتى يبدأ الشخص الأكبر سناً، وعادة ما يقول “بسم الله” ثم يبدأ الجميع.
لم يقتصر الآن كرم الضيافة في المملكة العربية السعودية على الأكل والشرب، بل تخطاها إلى تنظيم رحلات حرة وتقديم جولات في المدينة القاطنين بها، فبعد التطور الكبير في المدن ووجود المرافق الترفيهية أصبح من كرم الضيافة أخذ الضيف في جولة حول المدينة.
ويقول أستاذ علم الاجتماع دكتور سعد الصويان أن البقاء في هذه الصحراء القاحلة منذ الأزل هو إنجاز بحد ذاته، وهي بالوقت ذاته حياة مليئة بالقيم والمثل، وتفتحت آفاق اللغة العربية والجماليات في هذه البيئة، ولطالما أُعجب العرب بالذئب لأنه يمثل قمة النجاح في التكيف مع البيئة الصحراوية.
الأنثربوبولجيا فيها قراءة عميقة وحقيقية لعادات وتقاليد العرب والسعوديين، كما فيها قراءة فلسفية وأخلاقية تجعل السعوديين يعتزون بتاريخ أجدادهم وعاداتهم السامية.
اقرأ أيضاً: خميس بن رمثان الأُميّ الذي غيّر تاريخ السعودية