عملٌ فنيٌّ ربانيٌّ بطَلتهُ الطبيعة والعقول المبدعة والأيدي الماهرة، جبالٌ صخرية صلبة تُشقُّ لترسم طرقاً ملتوية في قلب الجبال ليس لها مثيل في العالم، نعم، نحن نتحدث عن جبال الهدا الساحرة في الطائف، التي تعشقها كل عين غاويةٍ للفن والجمال، إنها لوحةٌ فنية وألف باء السياحة الطبيعية في السعودية.
جبال الهدا الواقعة في نطاق جبال السروات على ارتفاع ٢١٧٧ متراً فوق مستوى سطح البحر، والممتدة على مسافة 87 كم بين مدينتي الطائف ومكة المكرمة، تأسر زوارها بجمالها الساحر منذ اللحظة الأولى.
تبدأ الرحلة عبر طرقات متعرّجة تحيط بها جبال شاهقة، مع مناظر خلابة تجمع بين زرقة السماء وتنوع الحياة النباتية والحيوانية، ومنها القرود التي تضفي لمسة من المرح، وعند الوصول إلى قمة الجبل، يحلو الافتراش بين السهول والأعشاب، لتفريغ ضغوط الحياة والطاقة السلبية، ومع عتمة الليل سيرى الزائر أضواء السيارات المتلألئة في مشهد يستحق الوقوف عنده.
يمتاز مناخ جبال الهدا باعتداله في الصيف وبرودته في الشتاء، وزيارة هذه المنطقة لها جماليتها في كل الفصول، ولكن أجمل فصل هو الشتاء والربيع، ولا سيّما لعشاق الشتاء ليستمتعوا بالضباب وحبّات البرد والندى، وبالطبع توفر المنطقة منتجعات وفنادق تضمن إقامة مريحة، ليقضي الزوار لحظات لا تنسى في مكانٍ يضاهي روعة سويسرا ولكن في قلب السعودية.
اقرأ أيضاً: حدائق الطائف أماكن ساحرة لعشّاق الورود والطبيعة
المعالم السياحية في جبال الهدا
تضم جبال الهدا معالمَ سياحية مذهلة تجمع بين الطبيعة وعبق التاريخ، ومن أبرزها نجد قرية الكر السياحية، المناسبة للعائلات بفضل أنشطتها المتنوعة، هنا، يمكن الاستمتاع بحديقة مائية ضخمة وأماكن مخصصة للألعاب المائية، فضلاً عن مجموعة من المطاعم والمقاهي التي تقدم أشهى الأطباق المحلية والعالمية.
أما درب الجمالة، فهو من أقدم الطرق الجبلية في المملكة ويمتد بين مكة والطائف، يمتاز هذا المسار بطوله الذي يصل إلى 6 كيلومترات، ويتيح للزوار فرصة التمتع بالمناظر الطبيعية الخلابة للوديان والجبال المحيطة، ولا يمكن نسيان مزرعة الفراولة، التي ستجدها قبل دخول مدينة الطائف، وفيها يمكن للزوار قطف الفراولة الناضجة مباشرة من المزرعة، ما يضيف لمسة من الحلاوة واللطف إلى الرحلة.
ومن الأماكن التي تستحق الزيارة والقريبة من جبال الهدا، يوجد قصر جبرا في المنطقة الشمالية الشرقية من محافظة الطائف، والذي يجسد عظمة العمارة والتراث الثقافي، وعلى الرغم من كونه مهجوراً اليوم، إلا أن القصر، الذي بُني في عام 1942 ليكون مقر إقامة الملك عبد العزيز، يمتاز بتصميمه الرائع الذي يمزج بين الأساليب الرومانية والعثمانية والحجازية، مع إطلالة بانورامية رائعة على الجبال المحيطة.
اقرأ أيضاً: قصر العوجا ملتقى السيف والقلم
فوهة الوعبة كذلك هي إحدى عجائب الطبيعة القريبة من المنطقة، وهي تأسر الأنفاس حرفياً بجمالها المدهش، تمتد الفوهة على مسافة تزيد عن 2 كيلومتر، وبعمق 250 متراً، تحيط بها مسطحات ملحية بيضاء تضفي تبايناً درامياً مع التضاريس الصخرية، وهي وجهة مثالية للمستكشفين ومحبي التصوير الفوتوغرافي.
أما جبل دكا، الذي يقع على بعد حوالي 40 كم من الطائف، فهو أعلى قمة في المنطقة ورمز للجمال الطبيعي والهدوء، تتسم تضاريسه الوعرة بجاذبية خاصة لمحبي الطبيعة والمغامرة، كما يحمل أهمية ثقافية وتاريخية عميقة، إذ كان يُستخدم في الماضي لتحديد مواعيد الصيام والصلاة خلال شهر رمضان.
اقرأ أيضاً: متنزه أبو خيال عالمٌ من السحر والخيال!
ولمن يتساءل عن الأنشطة التي يمكن القيام بها في جبال الهدا بعيداً عن التأمل والراحة وسط الطبيعة، فهناك أنشطة غاية في الروعة توفرها هذه المنطقة الجذابة، خاصة لعشاق المغامرة، حيث يمكن ممارسة رياضة المشي لمسافات طويلة عبر مسارات مغطاة بالغيوم، وتتمتع مسارات المشي هنا بتنوعها، لذا فهي تناسب المبتدئين والمحترفين على حد سواء، وخلال هذه الرحلات، يمكن اكتشاف تكوينات صخرية مذهلة، والجسور الخشبية التي تعبر الجداول، ونقاط المشاهدة المطلة على الوديان الشاسعة.
إلى جانب المشي، يمكن للزوار ركوب الدراجات الجبلية، إذ توفر الطرق المتعرجة والمنحدرات الجبلية تجربة مليئة بالتحدي، وكذلك ركوب الخيل أو الجمل من التجارب التي لا تُفوت في جبل الهدا، فبينما تتجول عبر المسارات المتعرجة والصخرية، يمكن الاستمتاع بالنسيم البارد والمناظر البانورامية للوديان المحيطة.
وتتيح السلسلة الجبلية لهواة التسلق فرصة رائعة بين المنحدرات الصخرية، بينما تقدم مغامرة الانزلاق على الحبال العالية جرعة من الأدرينالين، وركوب التلفريك نشاط لا يمكن تجاهله، وكذلك لا ننسى التخييم، حيث يمكن التواصل مع الطبيعة والاستمتاع بجمال المنطقة في أجواء مريحة تحت سماء مليئة بالنجوم.
في الختام، جبال الهدا هي جنة طبيعية تستحق الزيارة، ومع وجود هذه المجموعة الواسعة من الأنشطة، يصبح الجبل وجهة مفضلة للاستكشاف، وكتوصية أخيرة، لا بد من تجربة المحاصيل الزراعية المحلية مثل التوت والعنب والتين، إضافة إلى شاي الجمر، الذي يُعَّد على الجمر المتقد، ما يضيف لمسة من الأصالة للزيارة.
اقرأ أيضاً: ممشى الضباب تجربة ساحرة بين الجبال والسحاب