“إيمانًا بأن الفلسفة ليست ترفًا فكريًا، بل أداة ضرورية لفهم تعقيدات العصر”، تأسست جمعية الفلسفة السعودية في نوفمبر 2020، كأول مؤسسة أهلية متخصصة في هذا المجال، بهدف تعزيز التفكير النقدي وإثراء الحوار المجتمعي.
وتمثل هذه الجمعية غير الربحية، التي تحظى بإشراف وزارة الثقافة وتتخذ من العاصمة الرياض مقرًا لها، منصة فكرية تجمع المهتمين بالفلسفة من مختلف شرائح المجتمع، إلى جانب الباحثين المتخصصين في أبعادها وتأثيرها على القضايا المعاصرة.
وتهدف الجمعية إلى ترسيخ الثقافة الفلسفية من خلال برامج نوعية وشراكات استراتيجية مع القطاعات الحكومية والخاصة، في خطوة تعكس التزامها الراسخ ببناء مجتمع قائم على قيم التعايش والتسامح، ومستند إلى أسس الحوار البنّاء والتفكير المستقل.
رؤية جمعية الفلسفة السعودية
تتمحور رؤية جمعية الفلسفة حول تبني التفكير النقدي كأداة أساسية للارتقاء بالوعي الإنساني والأخلاقي في المجتمع، عبر تعزيز قيم الحوار البناء، ونشر المعرفة الفلسفية بين جميع الفئات العمرية، بما في ذلك الأطفال والشباب، لضمان أن المعرفة الفلسفية جزء من الثقافة العامة وليست مقتصرة على الأكاديميين.
وتسعى الجمعية إلى تعزيز مكانتها كمؤسسة ثقافية رائدة، من خلال إزالة الحواجز التي تجعل الفلسفة تبدو معقدة أو بعيدة عن الواقع اليومي، عبر تقديم محتوى يجمع بين العمق الفكري وسهولة الوصول، سواء عبر الندوات العلمية أو المحتوى الرقمي مثل البودكاست.
كما تحرص على دعم المواهب الفلسفية الشابة، وتوفير بيئة حاضنة للتعبير عن أفكارهم وتطوير مهاراتهم، لتمكينهم من التأثير في المشهد الثقافي على المستوى العربي والعالمي.
اقرأ أيضاً: “الجمعية السعودية للدراسات الاجتماعية”: منصة علمية لتنمية المعرفة وتطوير المهارات
برامج متنوعة تثري المشهد الثقافي
تقدم جمعية الفلسفة السعودية مجموعة من البرامج التي تجمع بين العمق الأكاديمي والتأثير المجتمعي، بهدف جعل الفلسفة جزءًا من الحياة اليومية ومصدرًا لتعزيز الفكر النقدي.
وتشمل هذه البرامج تنظيم محاضرات وندوات تجمع بين التحليل النظري والتطبيق العملي، وتستعرض القضايا الفلسفية المعاصرة، بالإضافة إلى دورات تدريبية متخصصة لتطوير مهارات التفكير النقدي لدى الأفراد بمختلف اهتماماتهم، بحيث تكون الفلسفة مرجعاً لهم في تحليل المشكلات واتخاذ القرارات، ولا تقتصر أنشطتها على المتخصصين والمهتمين بالفلسفة فحسب، بل تمتد لتشمل الجمهور العام.
ومن بين إحدى المبادرات المتميزة، التي أطلقتها الجمعية يبرز برنامج “الفيلسوف الصغير”، الذي يستهدف الأطفال والمعلمين وأولياء الأمور، من خلال تقديم أساليب مبتكرة لتعليم الفلسفة بطريقة تفاعلية ممتعة، بهدف ترسيخ التفكير النقدي منذ سن مبكرة، ودمج الفلسفة في المناهج التربوية، حرصاً منها على بناء قاعدة معرفية قوية لدى الأجيال الجديدة.
إلى جانب ذلك، تساهم الجمعية في إثراء المكتبة العربية، من خلال إصدار مؤلفات فلسفية جديدة وترجمتها، للوصول الى اكبر شريحة من القراء، كما تصدر مجلة فلسفية دورية تقدم محتوى متنوعًا يضم مقالات وبحوث تناقش أحدث الاتجاهات الفكرية الفلسفية.
كما تستثمر الجمعية في الإعلام الرقمي، عبر إنتاج بودكاست متخصص، يناقش المفاهيم الفلسفية بأسلوب معاصر ومبتكر يتماشى مع اهتمامات الجمهور، مما يسهم في نشر الثقافة الفلسفية وتعزيز حضورها في الأوساط الفكرية المختلفة.
مبادرات رائدة وفرص للمشاركة المجتمعية
تتميز جمعية الفلسفة في مبادراتها الرائدة التي استطاعت أن تحدث تأثيراً واضحاً في المشهد الفلسفي داخل المملكة، كان أبرزها “مؤتمر الرياض للفلسفة” الذي أقيم في ديسمبر 2021.
وجمع هذا الحدث نخبة من المفكرين والباحثين من داخل السعودية وخارجها، لمناقشة أحدث التطورات في الفلسفة وتطبيقاتها في مختلف الميادين، كما سلط الضوء على أهمية الفلسفة كأداة لفهم التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تشهدها المنطقة، مما ساهم في تعزيز مكانة المملكة كمركز للفكر الفلسفي في المنطقة.
من ناحية أخرى، وفي إطار رؤيتها لنشر الفلسفة وإشراك المجتمع في أنشطتها تفتح الجمعية أبوابها للراغبين في المشاركة الفاعلة في نشاطاتها، من خلال نظام عضوية مرن يشمل “عضوية المنتسب” و”عضوية العامل”.
وتتيح هذه العضويات للأفراد فرصة المشاركة الفعالة في أنشطة الجمعية، سواء من خلال حضور الفعاليات، أو المساهمة في المبادرات التطوعية، أو الاستفادة من الخصومات على الأنشطة المدفوعة.
وتمتاز عملية الانضمام إلى الجمعية بالبساطة والشفافية، إذ يمكن للمتقدمين تعبئة نموذج الاشتراك ودفع الرسوم عبر التحويل البنكي، مع توفر دعم مستمر للإجابة عن جميع الاستفسارات، لضمان تجربة سلسة لجميع الراغبين في الانضمام إلى هذه المنصة الفكرية.
وتجدر الإشارة إلى أن نشاط “حرف”، الذي بدأ كحلقة فلسفية في النادي الأدبي بالرياض عام 2008، كان حجر الأساس الذي أثمر عن تأسيس الجمعية، حيث ساهم هذا النشاط، الذي استمر على مدار أكثر من عقد في إثراء النقاشات الفلسفية، وعكس الجذور العميقة للحراك الفلسفي محلياً، والذي وجد في الجمعية حاضنة مؤسسية لدعم استمراريته وتوسعه.
ختاماً، تمثل جمعية الفلسفة السعودية إحدى الركائز الأساسية للتحول الثقافي الذي تشهده المملكة، حيث جمعت بين الفكر العميق والتأثير المجتمعي في نموذج يعكس دور الفلسفة كأداة للتغيير والتطوير.
فمنذ تأسيسها، اتخذت الجمعية نهجًا واضحًا لترسيخ الفكر الفلسفي كجزء لا يتجزأ من النسيج الثقافي، مدركة أن الفلسفة ليست مجرد مجال أكاديمي، بل قوة معرفية قادرة على إحداث فرق في مختلف المجالات، من التعليم إلى السياسات العامة، ومن النقاشات الاجتماعية إلى تطوير الوعي الفردي والجماعي.
اقرأ أيضاً: الفن التشكيلي السعودي.. رحلة من الأصالة إلى العالمية