في قلب الأحساء، تلك المدينة الغنية بواحاتها وتاريخها، لا يُشبه الموعد الطبي اليوم أي زيارة معتادة لعيادة تقليدية. فهنا، لا ينتظرك طبيب يرتدي المعطف الأبيض ويحمل السماعة، بل يستقبلك وجه رقمي هادئ يُعرف باسم «دكتور هوا»، أول نموذج طبي يعمل بالذكاء الاصطناعي تم تطويره بواسطة شركة صينية ناشئة تُدعى Synyi AI، في مشروع هو الأول من نوعه عالمياً.
«دكتور هوا»: نموذج طبي اصطناعي يعالج المرضى
في خطوة جريئة وغير مسبوقة، افتتحت الشركة الصينية بالتعاون مع مجموعة الموسى الصحية في السعودية أول عيادة تعتمد كلياً على نموذج ذكاء اصطناعي لتقديم الخدمات الطبية. ورغم أن العيادة لا تزال في طور التشغيل التجريبي، إلا أن تفاصيل التجربة تكشف عن ملامح مستقبل طبي مختلف.
النموذج الذي يحمل اسم «دكتور هوا» لا يعمل بشكل مستقل بالكامل بعد، بل تتم مراقبته من قِبل أطباء بشريين خلال جميع مراحل العمل. ويخضع كل قرار طبي صادر عنه لمراجعة رسمية من الجهات الصحية المختصة في السعودية، في إطار سعي الشركة للحصول على التصاريح الرسمية خلال فترة لا تتجاوز 18 شهراً، بحسب تصريحات المدير التنفيذي تشانغ شاوديان Zhang Shaodian.
أقل من 0.3% نسبة خطأ: دقة توازي البشر
خلال المرحلة الأولى من الاختبار، حقق «دكتور هوا» نتائج مبهرة، إذ لم تتجاوز نسبة الخطأ في قراراته 0.3%، وهي نسبة تقترب كثيراً من معدل الخطأ البشري الطبيعي في الفحوصات الطبية. هذه النتائج عززت الثقة في إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة تشخيصية موثوقة في المستقبل.
تبدأ العملية من خلال أجهزة لوحية مُثبتة في العيادة، يتواصل عبرها المريض مع «دكتور هوا» لشرح الأعراض والمشكلات الصحية التي يعاني منها. بعدها، يطلب النموذج التحاليل والفحوصات التي يرى أنها ضرورية، والتي تُجرى على يد فني بشري.
وبمجرد استلام نتائج الفحوصات، يعالج النموذج البيانات ليقدم خطة علاجية مفصّلة، تُعرض لاحقاً على طبيب بشري لمراجعتها والتأكد من سلامتها قبل تسليمها للمريض.
اقرأ أيضاً: «موعدي».. الذكاء الاصطناعي لتسهيل خدمات الرعاية الصحية
تشخيص 30 مرضاً تنفسياً… والبقية قادمة
في الوقت الراهن، يُجيد «دكتور هوا» تشخيص 30 نوعاً مختلفاً من الأمراض التنفسية، لكن الطموح لا يقف عند هذا الحد. وتسعى الشركة لتوسيع قاعدة بياناته لتشمل ما لا يقل عن 50 مرضاً، تغطي مجالات متنوعة مثل الأمراض الجلدية والهضمية، في خطوة تهدف إلى توسيع استخدام النموذج في مختلف التخصصات الطبية غير الطارئة.
وهذا المشروع لا يُعد تجربة منفصلة فحسب، بل هو بداية لسلسلة من العيادات الذكية التي تُخطط الحكومة السعودية لافتتاحها في الأشهر المقبلة، ضمن توجه واسع لتبني تقنيات الذكاء الاصطناعي في قطاع الرعاية الصحية. ورغم أن «دكتور هوا» لن يستبدل الأطباء البشريين بشكل كامل، إلا أن الهدف هو تولي المهام الروتينية التي لا تتطلب تدخلاً بشرياً عاجلاً.
مستقبل الطب بين يدي التكنولوجيا
ختاماً، وفي خضم التحولات المتسارعة في العالم، تبدو هذه التجربة بمثابة حجر الأساس لبنية طبية جديدة لا تُشبه ما عرفناه من قبل. الذكاء الاصطناعي لم يعد حلماً في المختبرات، بل بات يستقبل المرضى ويوصف العلاج. وبينما يثير هذا التطور حماسة البعض وتخوّف آخرين، تبقى الحقيقة أن المستقبل قد بدأ… من الأحساء.