عند سفح أعلى قمة جبلية في العالم، تنافس مئات الأشخاص من مختلف مشارب الأرض لتحقيق أرقام قياسية، وعيونهم ترنو إلى تلك القمة يتخيلون أعلام بلادهم ترفرف هناك، لكن رها المحرق الشابة السعودية ذات 25 عاماً لم يكن لديها وقت للتخيل، إذ وضعت الهدف نصب أعينها وسعت إليه حتى أصبحت بعد سنوات من التعب أول امرأة سعودية، وأصغر عربية سناً تتسلق قمة إيفرست.
ولدت رها في مدينة جدة، حصلت على بكالوريوس في الاتصالات المرئية عام 2008 من الجامعة الأميركية في الشارقة، ومن ثم ماجستير في إدارة الأعمال تخصص قيادة المرأة عام 2016 من جامعة سينرجي في دبي، بدأت مسيرتها الرياضية عام2004، إذ نالت رخصة في رياضة الغوص من الإمارات كما حازت على منحة رياضية في رياضة كرة الطائرة، لكن ذلك لم يشبع شغفها الذي تحب، فعيونها كانت ترنو إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير.
تدريبات مكثفة خضعت لها رها المحرق أهلتها لتسلق أعلى قمم العالم، إذ تمكنت خلال سنة ونصف من اعتلاء سبع قمم في أوروبا وروسيا وجبل كليمانجارو في إفريقيا، كما اعتلت أعلى قمة في القطب الجنوبي، وأعلى قمة في الأرجنتين، ولكن كان للحلم بقية، والشغف لم يبلغ مبتغاه بعد.
وفي عام 2013 كانت رها أمام تحدي لا يستهان به، فالقمة التي لقي المئات حتفهم لدى محاولاتهم تسلقها كانت الهدف القادم لها؛ جهود مضاعفة، تدريبات قاسية، إصرار على تحدي الذات وتحقيق الإنجازات، والنتيجة رها المحرق: أول سعودية وأصغر فتاة عربية سناً تصل إلى قمة إيفرست؛ أعلى قمة في العالم، وتحقق حلمها برؤية علم المملكة العربية السعودية يرفرف هناك.
ولأن رها لم تسعَ إلى تحقيق الأرقام القياسية لمجرد تحقيقها، ربطت رحلتها إلى أعلى قمم الأرض بهدف إنساني أسمى، فكانت ضمن مجموعة تضم أول رجل قطري وأول رجل فسلطيني يحاولون الوصول إلى القمة، وذلك في إطار سعيهم لجمع مليون دولار لدعم التعليم في النيبال.
وتروي رها المحرق مغامرتها تلك قائلة: يومياً، كنت أتسلق الجبل لمدة 12 ساعة، مع حقيبة تزن 25 كيلوغراماً، حاولت الابتعاد عن التفكير السلبي، والتركيز على سبب تسلقي للجبال، خصوصاً عند شعوري بالإرهاق نتيجة ساعات التسلق الطويلة، وعندي وصولي القمة لم أتمكن من وصف مشاعري خلال 12 دقيقة قضيتها على أعلى قمة في العالم، لكنني شعرت بنفسي صغيرة جداً وأملك العالم، لافتة أنها صدمت لانخفاض درجة الحرارة في قمة إيفرست إلى 45 أو 50 درجة تحت الصفر.
اقرأ أيضاً: حافة العالم في الرياض لعشاق المغامرات وهواة المشي لمسافات طويلة
نالت رها لقب امرأة العام في الإمارات عام 2017 وذات اللقب من مجلة إسكواير، إضافة إلى حصولها على لقب أول امرأة سعودية وأصغر عربية تستكمل صعود القمم السبع عام 2018، كما كانت متحدثة رئيسية في المؤتمر العالمي العاشر للجنة الأولمبية الدولية، ومتحدثة في منتدى مينا سبيكروز بين 2016و2020، ومديرة فنية في وكالة ليو بورنيت بين 2008 و2011.
ومع كل إنجاز تحققه رها المحرق تسعى بأقصى ما تستطيع لتمكين النساء من تحقيق أحلامهن وتجاوز الصعاب التي تفرضها المعايير الاجتماعية لجهة وضع الحواجز أمام النساء في بعض الميادين، إذ أكدت مراراً في كل مناسبة تتاح لها أنه وبتوفير فرص التعليم والعمل والموارد للنساء، حتماً سيصبحن قادرات على تحقيق الإنجازات وخلق حياة أفضل لأنفسهنّ ومن حولهن. إضافة إلى تمكنهن من أن يصبحن قدوة للآخرين، ومصدر إلهام لمتابعة الشغف والطموح والإبداع، الأمر الذي من شأنه تعزيز المجتمعات والاتجاه بها نحو التطور والتقدم.
قد تكون رها المحرق كسرت الأرقام القياسية ووصلت إلى أعلى قمم العالم، لكنها أيضاً تسلقت قمة من نوع آخر، تتمثل بتحدي الذات والمجتمع وتحقيق الإنجازات التي تنير الدرب أمام الآخرين ليلاحقوا أحلامهم ويتجاوزا كل المعوقات لتحقيقها.
اقرأ أيضاً: أبها السعودية: مدينة الضباب ووجهة استثنائية بين القمم الجبلية