في ظل التحولات المتسارعة على الساحة الدولية والتغيرات الجيوسياسية التي تلقي بظلالها على مختلف الدول، شهدت العلاقات بين المملكة العربية السعودية وروسيا تطوراً لافتاً في السنوات الأخيرة، ومؤخراً، أجرى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان اتصالاً هاتفياً بنظيره الروسي سيرغي لافروف، حيث جرى خلاله استعراض أبرز القضايا الإقليمية ومناقشة المستجدات ذات الاهتمام المشترك.
تناول الطرفان في حديثهما العلاقات الثنائية بين البلدين، مؤكدين أهمية التنسيق المشترك لتعزيز الاستقرار والسلم الدوليين، وجدد الوزيران التزامهما بتكثيف الجهود الدبلوماسية لمواجهة التحديات التي تشهدها المنطقة، مؤكدين ضرورة مواصلة التعاون لضمان تحقيق الأمن والاستقرار.
من جهتها، لطالما أكدت كل من الرياض وموسكو على أهمية تعزيز الشراكة بينهما في مختلف المجالات، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو حتى الأمني، سعياً لإرساء دعائم الاستقرار الإقليمي والعالمي، ويأتي ذلك في وقت تبرز فيه المملكة كلاعب محوري في الساحة الدولية، لا سيما في قضايا الوساطة والنزاعات الإقليمية، وهو ما حظي بإشادة دولية واسعة.
وفي سياق متصل، أبدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال تصريحات صحفية استعداده لمناقشة سبل السلام مع أوكرانيا، مشيراً إلى أن السعودية تمثل شريكاً موثوقاً يمكنه لعب دور الوسيط في الأزمة.
اقرأ أيضاً: السعودية وبريكس: محادثاتٌ مع روسيا ولقاءٌ في قلب الهند
وأكد بوتين أن لديه علاقات طيبة مع القيادة السعودية، معبراً عن ثقته في نواياها الصادقة في الوساطة بين موسكو وكييف. وأوضح الرئيس الروسي أن انعقاد مؤتمر للسلام في السعودية قد يكون خطوة إيجابية، شريطة أن ترفع كييف الحظر المفروض على المفاوضات مع موسكو.
وفي تصريحاته خلال قمة «بريكس»، شدد بوتين على أن بلاده تسعى لإيجاد حل دبلوماسي للأزمة الأوكرانية، لكنه في الوقت نفسه أكد أن روسيا لن تتراجع عن أهدافها في الحرب، محذراً من عواقب أي تحركات غير محسوبة، خاصة فيما يتعلق بمخاطر التصعيد النووي، وأشار إلى أن أي محاولات لامتلاك أوكرانيا أسلحة نووية ستُقابل برد صارم، معتبراً أن مثل هذه الخطوات قد تفتح الباب أمام مواجهة خطيرة لا يمكن التنبؤ بتداعياتها.
لم تقتصر تصريحات بوتين على الأزمة الأوكرانية فحسب، بل تطرق أيضاً إلى التوترات المتزايدة في الشرق الأوسط، لا سيما فيما يتعلق بالعلاقات بين إيران وإسرائيل، وأعرب عن اعتقاده بإمكانية التوصل إلى حلول بين الطرفين، لكنه أشار إلى أن ذلك قد يكون بالغ الصعوبة في ظل الأوضاع الحالية، فيما يأتي حديث بوتين هذا وسط تصاعد القلق بشأن احتمالات اندلاع مواجهات عسكرية قد تؤثر على الاستقرار الإقليمي.
اقرأ أيضاً: ترامب يكسر قواعد الرئاسة الأمريكية.. السعودية وجهتي الأولى!
وفيما يتعلق بمشاركة السعودية في قمة “بريكس”، شهدت الفترة الماضية العديد من التكهنات بشأن حضور ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للقمة، خصوصاً مع تصريح الكرملين بأن حضوره غير متوقع، إلا أن الرياض لم تصدر بياناً رسمياً يؤكد أو ينفي ذلك، في ظل استمرار المداولات حول تفعيل العضوية الكاملة للمملكة في المجموعة.
يُذكر أن السعودية قد تلقت دعوة رسمية للانضمام إلى مجموعة “بريكس” خلال القمة التي انعقدت في جنوب أفريقيا في أغسطس 2023، حيث أُعلن عن انضمام ست دول جديدة إلى التكتل، من بينها السعودية والإمارات وإيران ومصر والأرجنتين وإثيوبيا، ورغم أن الموعد المقرر لتفعيل العضوية كان في يناير 2024، لا تزال الرياض تدرس الخطوات التفصيلية المتعلقة بعضويتها لضمان تحقيق أقصى فائدة من هذه الخطوة الاستراتيجية.
جدير بالذكر أن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان كان قد شارك في اجتماع وزاري لمجموعة “بريكس” في يونيو 2023، حيث ألقى كلمة ضمن جلسة “حوار بريكس مع الدول النامية”، وذلك في إطار استكشاف فرص التعاون والشراكة بين المملكة والدول الأعضاء في المجموعة.
في ضوء هذه التطورات، يتضح أن السعودية تمضي قدماً في تعزيز حضورها الدبلوماسي على الساحة الدولية، مع التركيز على الشراكات الاستراتيجية التي تضمن تحقيق مصالحها الوطنية وتعزز مكانتها كطرف فاعل في المشهد السياسي والاقتصادي العالمي، وفي ظل الأوضاع الراهنة، تظل العلاقات بين المملكة وروسيا عنصراً مهماً في تشكيل معادلات القوة والتوازن في المنطقة، وهو ما يجعل التنسيق المستمر بين الجانبين ضرورة حتمية لمواجهة التحديات المستقبلية.