وسطَ مياهٍ متقلبة ورياحٍ تتغير اتجاهاتها، تفتح السعودية فصلاً جديداً في حكاية سيادتها البحرية، إذ جاءت مسألة توقيع اتفاقية مع إسبانيا لتشييد ثلاث سفنٍ من طراز «كورفيت أفانتي 2200»، كخطوة مدروسة على درب التمكين البحري، فهذه الشراكة تتجاوز حدود البناء المادي للسفن، وتؤسس لرؤية بعيدة الأمد؛ رؤية تسعى إلى صناعة درعٍ بحري قادر على مواجهة العواصف المقبلة، وتشكيل خط دفاعي يحمي أعماق الوطن من التهديدات القادمة من الأفق..
وفي التفاصيل، فقد وقَّعت وزارة الدفاع السعودية في العاصمة الإسبانية مدريد، اتفاقية تعاون مع وزارة الدفاع الإسبانية، تهدف إلى دعم بناء ثلاث سفن جديدة متعددة المهام من طراز «كورفيت أفانتي 2200»، وتتضمن الاتفاقية التعاون في التدريب، وتبادل الخبرات، والدعم الفني واللوجستي لصالح القوات البحرية الملكية السعودية، ضمن توسيع «مشروع السروات» الذي شهد تسليم خمس سفن قتالية في مرحلته الأولى.
ويهدف هذا التعاون إلى تعزيز الشراكة بين وزارتي الدفاع السعودية والإسبانية في إطار «مشروع السروات» لبناء ثلاث سفن قتالية إضافية من الطراز ذاته، ما سيسهم في رفع مستوى الجاهزية للقوات البحرية السعودية للدفاع عن مصالح المملكة وحمايتها، وتعزيز الأمن البحري في المنطقة، بما يتماشى مع «رؤية المملكة 2030» واستراتيجيات الدفاع الوطني.
اقرأ أيضاً: السعودية تترقب وصول أول أسطول من السفن الطائرة
شمل التوقيع حضور رئيس أركان القوات البحرية السعودية الفريق الركن محمد الغريبي، ورئيس أركان البحرية الإسبانية الفريق أول أنطونيو بينيرو سانشيز، وستقدم البحرية الإسبانية الدعم الفني خلال بناء السفن الثلاث، بما في ذلك عمليات الفحص والاختبار وتقييم الأنظمة.
كما ستتعاون القوات البحرية السعودية والإسبانية في التدريب الأكاديمي والعملي لأطقم المجموعة الثانية من سفن «أفانتي 2200»، بالإضافة إلى تدريبهم على العمليات التكتيكية أثناء الإبحار بعد تسليم السفن.
فيما ستكون السفن الثلاث الجديدة مماثلة للسفن الخمس التي جرى تسليمها سابقاً ضمن «مشروع السروات»، حيث ستكون مجهزة بأحدث الأنظمة القتالية والهندسية، الأمر الذي يعزّز قدراتها في التعامل مع مختلف التهديدات الجوية والسطحية وتحت السطحية.
يشار إلى أن كورفيت أفانتي 2200 ليست مجرد سفينة، بل هي تجسيد للتقنية العسكرية الحديثة المصممة لمواكبة التحديات البحرية المتجددة، إذ تمتاز هذه السفينة بقدرات قتالية شاملة، حيث يمكنها التعامل مع التهديدات المختلفة من الجو والسطح وأعماق البحر، بفضل منظوماتها المتقدمة في الرصد والهجوم والدفاع.
ويعتمد تصميم «أفانتي 2200» على تكنولوجيا الاستشعار الذكي، حيث تزود بأجهزة متطورة تكشف التهديدات من مسافات بعيدة وتؤمن سرعة الاستجابة والمرونة التكتيكية، وبفضل توازنها بين القدرة على المناورة العالية وحمل أسلحة متقدمة، تُعدّ كورفيت أفانتي 2200 إضافة استراتيجية لأي أسطول بحري يسعى لحماية مصالحه وتأمين سواحله.
اقرأ أيضاً: السعودية تستدعي فصائل عسكرية يمنية لهذا السبب
وإلى جانب هذا، من الجدير بالذكر أن «مشروع السروات» هو مبادرة سعودية تهدف إلى تحديث وتعزيز قدرات الأسطول البحري الملكي السعودي عبر تزويده بسفن قتالية متطورة ومتعددة المهام، وكان قد بدأ المشروع بمرحلة أولى جرى خلالها بناء خمس سفن قتالية من طراز «كورفيت أفانتي 2200»، لتشكل طليعة جديدة ترفع جاهزية القوات البحرية لمواجهة التحديات الحديثة.
ويهدف المشروع إلى تمكين البحرية السعودية ليس فقط عبر امتلاك معدات عسكرية متقدمة، ولكن أيضًا من خلال التعاون في مجالات التدريب ونقل الخبرات الفنية، ما يضمن بناء كفاءات محلية قادرة على تشغيل وصيانة هذه السفن بأعلى مستوى من الكفاءة.
هذا وشهدت العلاقات السعودية الإسبانية في عام 2024 مجموعة من المحطات البارزة، مستندة إلى تاريخ طويل من التعاون والثقافة المشتركة، فعلى مستوى السياسة، زار وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، مدريد في حزيران/يونيو، حيث التقى بالملك فيليب.
وفيما يتعلق بالشؤون الاقتصادية، قامت وزارات الصناعة والتجارة والسياحة في إسبانيا بعدة زيارات إلى المملكة لتعزيز فرص الاستثمار هذا العام، وتواصل الشركات الإسبانية لعب دور كبير في المشاريع الحيوية بالمملكة، مثل مشروع قطار الحرمين السريع وقطار الرياض، وغيرها من المشاريع الأخرى.