نعت وزارة الثقافة السعودية وجمعية الثقافة والفنون بجدة رائدة الفن التشكيلي السعودي صفية بن زقر، بعد مسيرة تشكيلية حافلة وضعت فيها بصمتها المضيئة بالإبداع في المشهد السعودي الثقافي والفني.
وتعتبر الفنانة الراحلة الحائزة على وسام الملك عبد العزيز من أوائل مؤسسي الحركة التشكيلية في المملكة العربية السعودية، إذ وثقت خلال مسيرتها المهنية التي امتدت لأكثر من نصف قرن المظاهر الفلكلورية والاجتماعية والثقافية لمدينة جدة ومنطقة الحجاز.
ولدت صفية بن زقر عام 1940 في حارة الشام في مدينة جدة القديمة، أبدت منذ صغرها اهتماماً بالرسم، وهو ما دفعها للسفر إلى القاهرة والالتحاق بكلية الفنون الجميلة، لتنتقل بعدها إلى لندن وتحصل على شهادة في فن الرسم والجرافيك من كلية سانت مارتن للفنون.
عادت الفنانة الراحلة إلى السعودية بعد إتمام دراستها، وأقامت عام 1968 معرضها الأول الذي شهد نجاحاً كبيراً، لتتالى بعدها معارضها الفنية داخل المملكة وخارجها، حتى أصبح في رصيدها 18 معرضاً شخصياً وستة معارض جماعية، حاولت فيها إبراز التقاليد والتراث السعودي بأبهى حلله.
التراث السعودي الذي كان حاضراً في أغلب أعمال الفنانة السعودية، لم يقتصر على تصوير الحياة التقليدية اليومية للسعوديين، بل امتد ليشمل العمارة القديمة في الأسواق الشعبية والمنازل التقليدية والأزياء السعودية، إذ تزخر العديد من المباني العامة بجدارياتها التي تصور هذا التراث بأسلوب زاهي يعكس غنى الهوية السعودية ماضياً وحاضراً.
اقرأ أيضاً: أشهر الرسامين السعوديين الذين أسسوا مسار الفن السعودي
خاضت صفية بن زقر في بداية رحلتها معركة شرسة مع المجتمع لتجعله يتقبل الفن باعتباره نافذة تربط الحاضر بالماضي، ووسيلة لتحفيز الأجيال الجديدة على التمسك بهويتها الثقافية وتطويرها، كما خاضت معركة أشرس لتدافع عن حقوقها كامرأة في امتهان الفن باعتباره مهنة راقية قلة من يستطيعون الإبحار في عوالمها، حتى فازت فوزاً ساحقاً في كلتا المعركتين، وأثبتت للجميع أن المرأة السعودية قادرة على الإبداع في مختلف الميادين
ومن هنا خصصت الفنانة السعودية مكاناً ثابتاً للمرأة في لوحاتها، وجعلت منها مرآة تعكس من حضارة المملكة وثقافتها المتنوعة، والدور الحيوي الذي تقوم به النساء في مختلف المحافل الاجتماعية والثقافية. فكانت لوحتها الشهيرة التي جسدت من خلالها المرأة الحجازية بزيها التقليدي، حتى أطلقت عليها الصحافة العربية حين تم عرضها في باريس عام 1980 اسم موناليزا الحجاز، لترافقها هذه التسمية بدلاً من اسمها الحقيقي (الزبون).
أسست الفنانة الراحلة عام 2000 دارة صفية بن زقر، التي تحتوي قطع أثرية يعود تاريخها لأكثر من مئة عام، وتعرض فيها لوحاتها ومقتنياتها الفنية ومرسمها ومكتبتها الخاصة للزوار والباحثين، كما تقيم فيها ورشات ومحاضرات فنية لمحبي الأدب والفنون التشكيلية، إضافة إلى إقامة أنشطة يعود ريعها لليونسكو والجمعيات الخيرية، وأنشطة تستهدف الصغار كالمسابقة السنوية للأطفال، ومسابقة الرسم على الجدارية على كورنيش جدة بمشاركة أطفال من عمر 6-9 سنوات.
عام 2016 تم اختيار الفنانة التشكيلية صفية بن زقر شخصية ثقافية لمهرجان الجنادرية 31، وتم تكريمها من قبل الملك سلمان بن عبد العزيز، ومنحها وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى.
ولطالما كانت الفنانة الراحلة من أوائل الداعمين للبحث العلمي في مجال الفن التشكيلي والتراث السعودي، إذ استخدم أكثر من 160 باحثاً وباحثة في الدراسات العليا لوحاتها في أبحاثهم، كما أصدرت مؤلفين: كتاب المملكة العربية السعودية: نظرة فنانة إلى الماضي باللغتين الفرنسية والإنجليزية، وكتاب رحلة عقود ثلاثة مع التراث السعودي، وهي عضو أول في الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون في جدة، وعضو مؤسس في بيت التشكيليين في جدة.
ويحتضن المتحف البريطاني في لندن العديد من أعمال الفنانة التشكيلية صفية بن زقر، والتي تضم ألبوماً من 38 صورة حفر وثّقت من خلال هذا العمل التراث الملبسي في السعودية، وتعتبر هذه المرة الأولى التي يعرض فيها المتحف البريطاني أعمالاً تجسد التراث الملبسي لمختلف مناطق المملكة.
اقرأ أيضاً: سفارة السعودية في لندن تحتفي بإنجازات المرأة السعودية في الثقافة والفن
ومع رحيل الفنانة التشكيلية صفية بن زقر يسدل الفن التشكيلي السعودي الستار على مسيرة حافلة بالإنجاز والإبداع تركت صاحبتها فيها بصمتها التي لن تنسى، والتي وثقت من خلالها التراث السعودي بمختلف أشكاله، وكلها أمل أن يتلقف الجيل الجديد هذا التراث، ويغنيه ببصمته الخاصة، ويظهره للعالم أجمع بأبهى وأجمل حلة.