من رحم المعاناة يولد المستحيل، وبالإرادة تغدو كل الصعاب درجات نصعدها نحو القمة، ولأننا بشرٌ نحتاج تعاطف ومساندة بعضنا البعض فيما نمر به من محنٍ، كان لزاماً على النخبة منا أن يكرسوا الكثير من جهدهم لتقديم الدعم لمن يحتاجونه، هذا ما جسدته الأميرة فهدة بنت فهد آل سعود في مسيرتها الداعمة لذوي الهمم، والزاخرة بكل ما من شأنه تشجيعهم على تحدي الصعاب وصنع المعجزات في الميادين المختلفة.
الأميرة فهدة خريجة جامعة مدلسكس البريطانية بدرجة ماجستير علاقات دولية، نشرت مجلة القانون والعلوم السياسية لمركز العلوم والبحوث الكندي رسالتها (حقوق الأطفال في المخيمات السورية)، وهو ما شكل نقطة تحول بالنسبة لها، فقررت تكريس جهدها وخبرتها الأكاديمية لخدمة الأطفال من ذوي الهمم ومحاربة السرطان في المملكة العربية السعودية.
أنشأت عام 2016 مبادرة الفهدة الإنسانية للاهتمام بالأطفال من أصحاب الهمم، من خلال تقديم برامج الدعم النفسي والاجتماعي واللوجستي، والقيام بالمبادرات الأهلية والمجتمعية التي من شأنها تمكينهم في مختلف المجالات وتطوير مهاراتهم، وتشجيع المتطوعين من الشباب والشابات في كافة أرجاء المملكة على الانضمام لهذه البرامج، وتوظيف خبرتهم في خدمة هؤلاء الأطفال.
كما حرصت الأميرة فهدة من خلال مؤسسة الفهدة الإنسانية على دعم وتشجيع ذوي الهمم في الميادين الرياضية المختلفة ليحصدوا الميداليات الواحدة تلو الأخرى على الصعيدين المحلي والعالمي، مستفيدة من التشريعات التي تصدرها المملكة بشكل مستمر لدعم هذه الفئة من المجتمع، وتذليل الصعاب أمامها.
فلسفة إنسانية تقوم على التضحية والوفاء والعمل بشكل مشترك قادت الأميرة فهدة بنت فهد آل سعود للمشاركة في دورة الألعاب العالمية للأولمبياد الخاص لأصحاب الهمم عام 2019 في أبو ظبي، والتي كانت أول مشاركة لوفد نسائي سعودي من أصحاب الهمم في منافسة خارجية، إذ نجحت الأميرة في قيادة منتخبها لإحراز المركز الأولى والفوز بالميدالية الذهبية، بعد تغلبه على فريق ساح العاج بنتيجة 16-11، ورفضت الكشف عن هويتها أثناء المباراة، خوفاً من أن تصبح مشاركتها هي الحدث الأهم بالنسبة للإعلام الذي يغطي فعاليات الأولمبياد، ويغيب التركيز على إنجاز الفريق الهام على مستوى المملكة.
فوز المنتخب السعودي النسائي في الأولمبياد الخاص، خلق لدى الأميرة فهدة أملاً كبيراً لتمكين أصحاب الهمم من ممارسة الرياضة وتحقيق الإنجازات في المحافل المحلية والعالمية، فركزت في مؤسسة الفهدة على تنظيم الجهود المجتمعية لتذليل الصعاب أمام ذوي الهمم لاستكشاف مهاراتهم واستثمارها بالشكل الأمثل، مجسدة بذلك مثالاً حياً على أهمية التكاتف والعمل التطوعي والإنساني في تطوير المجتمعات وازدهارها.
وتطمح الأميرة فهدة بنت فهد آل سعود لإنشاء أكاديمية خاصة لخدمة وتمكين ذوي الهمم في المجال الرياضي وتمثيل المملكة عالمياً، وتطوير مؤسستها الإنسانية لتصبح أكثر قدرة على التأثير الإيجابي في المجتمع، ودفعه نحو تكريس المزيد من الجهد لدعم أصحاب الهمم وإفساح الطريق أمامهم لصنع المستحيل.
اقرأ أيضاً: معرض كتابات اليوم للغد 2025
الأميرة فهدة وإلى جانب كونها ناشطة في مجال دعم أصحاب الهمم، لاعبة كرة سلة منذ صغرها، سارت بخطى واثقة في هذا المجال، وحصدت 35 ميدانية خلال مسيرتها الرياضية لبطولات وفرق مختلفة في كرة السلة، رغم أن هذه الرياضة ما زالت تخطو خطواتها الأولى في المملكة ولم تنل الانتشار الذي تستحقه.
مسيرة الأميرة الحافلة بالتحديات ألهمت الكثير من النساء الأخريات ليحذون حذوها، وفي هذا الصدد تقول: “رسالتي لأي فتاة عندما تجدين في نفسك رغبة في تقديم عمل ينفعك وينفع مجتمعك، ورغبة في الإنجاز ووضع بصمة تُروى بعد رحيلك، لا تتجاهلي هذه الرغبة بل حفزي ذاتك واكتشفيها وحددي أهدافك واعرفي خططك ومهاراتك، مارسي مواهبك ونميها واعملي وفقاً لها”.
الأميرة التي تشغل الآن منصب عضو مجلس إدارة جمعية الأطفال ذوي الإعاقة ورئيس أكاديمية الرياض الرياضية، مازالت تصر على أن الطريق مازال طويلاً أمام تمكين ذوي الهمم في المجتمع، والجهود التي بذلت رغم أهميتها ليست بكافية، وهو ما يتطلب تكاتف جميع الجهود الرسمية والأهلية لنشر الوعي بضرورة التعامل مع الأطفال من أصحاب الهمم على أنهم مشاعل إرادة، يحتاجون فقط من يأخذ بيدهم ليبهرونا بنورهم ويضيئوا لنا ببصيرتهم سماوات من الإنجازات قد نكون نحن أنفسنا عاجزون عن ولوجها.