تعد قرية لينة التاريخية من كنوز المملكة العربية السعودية ولها أهمية تاريخية بالغة، فعند الحديث عن تراث وثقافة المملكة وعراقتها يحار المرء من أين يبدأ، على امتداد أراضي السعودية هناك العديد من المناطق الأثرية الغنية والمتنوعة والمشبعة بعبق الأصالة وروح التاريخ وأبرزها هذه القرية.
وتعتبر من أهم الشواهد على تاريخ هذا الوطن العريق ذو الإرث الشامخ، كما أنها من أهم الوجهات السياحية الساحرة في البلاد، متمتعة بإرثها التاريخي والحضاري الخاص، فهي من أقدم القرى شمال المملكة وتحتضن العديد من المواقع التاريخية المهمة.
موقع قرية لينة وآبارها
تقع القرية على بعد 105 كيلومترات جنوب رفحاء في منطقة الحدود الشمالية السعودية، وتتميز بآبار المياه القديمة ويعود تاريخها إلى عهد النبي سليمان عليه السلام، وتعتبر هذه الآبار التي يعود تاريخها لآلاف السنين محطة للأساطير والقصص التي تروي أصالتها وتسردها لتبين رمزية هذا المكان وتاريخه العريق، وبذلك تشكل نقطة جذب للسياح والزوار من مختلف أرجاء المملكة والعالم.
وقد أشار الباحث والخبير في التراث والآثار عبد الرحمن بن محمد التويجري أن الأساطير المحلية تقول إن آبار قرية لينة من أقدم آبار شبه الجزيرة العربية، وأضاف إن هذه الآبار محفورة بطرق وأشكال مميزة وسط تربة صخرية صلبة تتميز بها القرية. مع الإشارة إلى أنه لم يبقى إلا عدد قليل من الآبار الأصلية التي يبلغ عددها 300 بئر في المنطقة.
ويضيف المرشد السياحي خلف بن جبل الشمري بأن الكثير من المعلومات حول هذه الآبار مبنية على أحاديث متداولة، قائلاً: “لا يوجد بحث أكاديمي حول هذه الآبار، لكن العديد من الروايات والمراجع تؤكد أن عددها التاريخي يقدر بأكثر من 300 بئر تتوزع على مرتفع صخري صلب”.
مع الإشارة لأن تاريخها يعود لعشرات السنين، دون أن يثبت تاريخياً من قام بحفرها، فهذه المنطقة قد احتضنت حضارات عديدة قديمة وآثار مدينة الحجر خير دليل على ذلك.
ناهيك عن موقع القرية الهام على طريق التجارة القديم الرابط بين نجد والعراق، حيث كانت لينة الملاذ للقوافل المسافرة في وسط الصحراء وقساوتها عبر التاريخ.
اقرأ أيضاً: قرية “القابل”.. شاهد حي على عمق التاريخ وتراث نجران الأصيل
أبرز شواهدها التاريخية
قصر المؤسس الملك عبد العزيز رحمه الله والذي تم إنشاؤه في العام 1354 للهجرة بمساحة تقدر بنحو 4320 متر مربع، ليكون بذلك مقراً للإمارة وهو ما يزال شامخاً بإطلالته المميزة وطرازه المعماري القديم الشاهد على إرث المنطقة قبل تسعة عقود من الزمن، ولهذا القصر رمزيه خاصة حيث ارتبط في ذلك الوقت بإدارة حركة التنمية وشؤون المواطنين إلى جانب تدعيم الأمن.
ليجعل بوجوده من قرية لينة ممر ربط بين تاريخها العريق بوصفها طريقاً لقوافل الحج والتجارة وتمثيلها حاضرة للبوادي، وبين ثقلها الحضاري في إدارة شؤون المواطنين وحفظ الأمن.
ولا يمكن أن نذكر القرية دون أن تكون أقدم أسواق المنطقة وأكبر المراكز التجارية في السعودية في فترة منتصف القرن الماضي حاضرة بمقدمة الكلام، فجرى إنشاء سوقها في العام 1352 للهجرة بغرض التبادل التجاري.
وامتداد السوق يتوزع على مساحة قدرها 5000 متر مربع، ويضم 80 محل تجاري بين جنباته، بذلك يكون هذا السوق انعكاساً للتاريخ الغني والعريق ولحكايات البوادي والقوافل والمسافرين المتميزين بالثقافات المتنوعة.
اقرأ أيضاً: الدحَّة السعودية تراث شعبي يروي قصص الأجداد
سبب تسميتها
ورد ذكر القرية بالأدب والشعر وكتب التاريخ القديمة، وكان يعرّف عنها بكونها تعود بتاريخها لعهد النبي سليمان عليه السلام.
وكان يقال في الروايات إن شياطين سليمان عليه السلام قد حفرت في أرض لينة، بعد خروج النبي سليمان من أرض المقدس للتوجه لليمن وتوقف لتناول الطعام في لينة وهي أرض قاحلة وتتصف بقساوتها.
وعندما شعر الناس بالعطش وكان من الصعب العثور على الماء تبسم شيطان كان على رأس سليمان، فسأله سليمان ما الذي يضحكك؟، ليجيبه: “أضحك من عطش الناس وهم على جلة البحر!”، فأمر سليمان بضرب الأرض بعصيهم فنبع الماء.
كما ذكر في الكتب التاريخية ككتاب “العرب” و”معجم ما استعجم” عن لينة وذكر أن فيها آبار شديدة العذوبة رغم عدم وجود عيون الماء فيها.
ختاماً، قرية لينة من الأوابد الهامة في المملكة لما فيها من عبق الماضي ونهضه الحاضر إبان توحيد المملكة، وهي نقطة جذب للسياح من داخل المملكة وخارجها كونها كانت عقدة لقوافل التجارة والحج، فلينة لا تتمتع بعمق آبارها وعذوبتهم فحسب بل بعمق تاريخها وغناه.
اقرأ أيضاً: مسجد القبلي: التراث المعماري النجدي يسطع من جديد!