في عالم السياسة، ليست كل الكلمات متساوية الوزن. فبعض التصريحات تأتي عابرة، وأخرى تُدوَّن في السجلات باعتبارها مؤشرات لتحولات استراتيجية كبرى. هكذا جاءت كلمات الرئيس الأميركي دونالد ترامب وهو يعلن، قبيل زيارته المرتقبة إلى منطقة الخليج، عن «أخبار إيجابية جداً» وصفها بأنها ستكون من «أهم الإعلانات منذ سنوات». وهذه الزيارة، التي تشمل المملكة العربية السعودية والإمارات وقطر، لا تُعدّ مجرد محطة دبلوماسية عابرة كما يبدو، بل تحمل في طياتها مؤشرات على تغيرات اقتصادية واستثمارية واستراتيجية محتملة، خاصة في ظل مشاركة شخصيات من الصف الأول في عالم المال والتقنية الأميركي.
أعلن الرئيس ترامب، خلال مؤتمر صحافي جمعه مع رئيس وزراء كندا مارك كارني، عن استعداده للإفصاح عن إعلان مهم قبل بداية جولته الخليجية، ملمّحاً إلى طبيعة إيجابية للخبر المنتظر دون أن يكشف عن تفاصيله. وأضاف: «هذا الإعلان سيكون من الأهم خلال السنوات الماضية، ويتعلق بموضوع بالغ الأهمية».
ولا تقتصر الزيارة على البعد السياسي فقط، بل تأتي مدعومة بوفد اقتصادي ضخم يضم نخبة من قادة كبرى الشركات الأميركية. من الأسماء البارزة التي سترافق ترامب في زيارته: لاري فينك (Larry Fink)، الرئيس التنفيذي لشركة «بلاك روك» (BlackRock)، جاين فريزر (Jane Fraser)، المديرة التنفيذية لـ«سيتي غروب» (Citi Group)، كريستيانو آمون (Cristiano Amon)، رئيس «كوالكوم» (Qualcomm)، وآرفيند كريشنا (Arvind Krishna)، رئيس «آي بي إم» (IBM)، وستيفن شوارزمان (Stephen Schwarzman)، رئيس «بلاكستون» (Blackstone)، إلى جانب روث بورات (Ruth Porat)، رئيسة الاستثمارات في «غوغل» (Google) و«ألفابت» (Alphabet).
منتدى الاستثمار السعودي – الأميركي: منصة استراتيجية
تتزامن زيارة ترامب مع انعقاد «منتدى الاستثمار السعودي – الأميركي» في مركز الملك عبد العزيز الدولي للمؤتمرات بالرياض، بمشاركة موسعة من الجانبين. الحدث يحظى برعاية مباشرة من هيئة تنمية الاستثمار السعودية، التي قامت بحشد الشركات المحلية الخاصة للمشاركة في المنتدى، والالتقاء بنظرائهم الأميركيين في اجتماعات ثنائية لتعزيز التعاون الاقتصادي.
وعبّرت السعودية عن رغبتها في تعميق العلاقات الاستثمارية مع الولايات المتحدة، واضعة هدفاً طموحاً يبلغ 600 مليار دولار في السنوات الأربع المقبلة. وهذا التوجه يأتي في سياق رؤية اقتصادية شاملة تتقاطع مع رؤية 2030، الهادفة إلى تنويع الاقتصاد السعودي وتقوية روابطه بالعالم.
من جانبه، أبدى الرئيس ترامب اهتماماً واضحاً بالصندوق السيادي السعودي، مشيراً إلى أن بلاده بصدد إنشاء صندوق سيادي مماثل يسعى للاستفادة من تجارب الرياض في إدارة الاستثمارات الكبرى.
اقرأ أيضاً: ردّاً على ترامب: رفض سعودي مباشر لتصفية القضية الفلسطينية
عودة إلى الجذور التاريخية للشراكة
لا يمكن فهم أبعاد هذا المنتدى والزيارة بمعزل عن السياق التاريخي للعلاقات السعودية – الأميركية، التي تعود إلى لقاء الملك عبد العزيز آل سعود بالرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت Franklin D. Roosevelt عام 1945 على متن البارجة «يو إس إس كوينسي». ومنذ ذلك الحين، بُنيت الشراكة بين البلدين على أسس راسخة من المصالح الاستراتيجية، لا سيما في مجالات الطاقة والأمن.
ويشهد المنتدى حضور أكثر من 2000 مشارك و125 متحدثاً، ويتضمن 15 جلسة متخصصة، و3 طاولات مستديرة، و12 جناحاً عرضياً تغطي مختلف القطاعات الحيوية. من بين هذه القطاعات: الطاقة المستدامة، الذكاء الاصطناعي، التصنيع المتقدم، الخدمات المالية، الصحة، والتقنية.
طموحات رقمية وتعاون تقني
يشكل التحول الرقمي أحد أبرز محاور التعاون في المنتدى، حيث تبحث السعودية والولايات المتحدة سبل تعميق الشراكة في مجالات الحوسبة السحابية، والأمن السيبراني، والذكاء الاصطناعي. ويُتوقع أن تثمر هذه المحادثات عن تحالفات رقمية تواكب الثورة الصناعية الرابعة.
ويحظى قطاع الخدمات المالية هو الآخر باهتمام خاص، مع تركيز على التعاون بين صناديق الثروة السيادية ورؤوس الأموال المؤسسية من البلدين، بهدف تعزيز الابتكار في التقنية المالية، وتوسيع أدوات التمويل المبتكر.
وفي إطار رؤية استثمارية شاملة، يناقش المنتدى أيضاً فرص التعاون في مجالات الرعاية الصحية وعلوم الحياة، مع دعم منظومات الابتكار الطبي، واستقطاب الاستثمارات نحو تقنيات علاجية حديثة، خاصة في مجالات الأمراض المزمنة والصحة الرقمية.
آراء وتوقعات حول زيارة ترامب
في ظل الترقب الإقليمي والدولي لزيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى منطقة الخليج، تتوالى تحليلات الخبراء لتسلط الضوء على أبعاد هذه الزيارة وما تحمله من فرص وتحديات. يرى دينيس روس (Dennis Ross)، المستشار السابق في شؤون الشرق الأوسط في معهد واشنطن، أن هذه الجولة تهدف بشكل رئيسي إلى تعزيز الشراكات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة ودول الخليج، خصوصاً في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والاستثمار، متوقعاً أن تثمر عن اتفاقيات بمليارات الدولارات تُرسّخ النفوذ الأميركي في المنطقة.
أما الصحفية والمحللة السياسية جويس كرم (Joyce Karam)، فتركز على البعد الاقتصادي للزيارة، مؤكدة أن السعودية تُدرك أهمية الحفاظ على علاقات قوية مع الصين بالتوازي مع تعزيز شراكتها مع الولايات المتحدة. وترى كرم أن زيارة ترامب تأتي في توقيت حساس تسعى فيه الرياض إلى توسيع دائرة استثماراتها وشراكاتها الاستراتيجية على أكثر من محور، بما يعزز موقعها الإقليمي والدولي.