بدأت السعودية في العام 2021 جهودها لإنتاج الهيدروجين ضمن مساعيها للمنافسة في سوق الطاقة النظيفة، التي تشهد منافسة كبيرة، حيث تعكف المملكة على تطبيق نموذج الاقتصاد الدائري للكربون بهدف تنفيذ تعهداتها بتقليل الانبعاثات بمقدار 278 مليون طن سنوياً بحلول عام 2030، وتماشياً مع طموحاتها لرفع حصة مصادر الطاقة المتجددة في مزيج الكهرباء إلى 50% بحلول ذلك العام.
وفي العام 2022، تعهد وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، بأن بلاده ستقود سوق الهيدروجين الأخضر العالمية، ليكون “نفط القرن الـ 21” بالنسبة لها، لا سيما في ظل السباق العالمي لخفض الانبعاثات الكربونية.
ويأتي ذلك في ظل التنامي المتسارع لحركة تحول الطاقة عالمياً، وتوقع وكالة الطاقة الدولية نمو حجم استثمارات الطاقة النظيفة بحلول 2030 بنسبة تصل إلى 50% مقارنة بالمعدلات الراهنة، ومع تزايد أهمية طاقة الهيدروجين في مزيج الطاقة النظيفة العالمي، مع ما يتمتع به الهيدروجين من مقومات تجعله مصدراً مستداماً لإنتاج طاقة آمنة ونظيفة بأقل قدر من الانبعاثات في قطاعات يصعب تخفيف الانبعاثات فيها، مثل النشاط الصناعي، والنقل الثقيل.
ولتحقيق الاستفادة القصوى من الهيدروجين في مجال إنتاج الطاقة مع الالتزام بأهداف الحياد الصفري، ينبغي الاختيار بين مجموعة متنوعة من أساليب إنتاج هذا الغاز من خلال التحليل الكهربائي للمياه، وأفضلها الهيدروجين “الأخضر” الذي يُنتج باستخدام مصادر طاقة متجددة مثل الرياح أو الشمس، ومن بعده “الأزرق” الذي يُنتج باستخدام الغاز الطبيعي مع التقاط مخلفات الكربون، و”الرمادي” الذي يُنتج بالغاز أيضا لكن من دون التقاط تلك المخلفات، ومن ثم “الأسود والبنّي” وكلاهما يعتمد على الفحم لإنتاجه، و”الوردي” المعتمد على الطاقة النووية، و”الأبيض” الموجود بشكل طبيعي.
طموحات السعودية في قطاع الهيدروجين
وفقاً لمستهدفات رؤية السعودية 2030، أطلقت المملكة استراتيجية وطنية طموحة في عام 2020، تهدف إلى تحويل السعودية إلى مصدر رئيسي لهذا الوقود منخفض الكربون مع نهاية العقد الحالي، من خلال إنتاج الهيدروجين الأزرق والأخضر تحديداً، وهما الأكثر كفاءة على صعيد الحد من انبعاثات الكربون، وإن كان إنتاجهما هو الأصعب بحكم الحاجة الكبيرة للطاقة المتجددة.
ويلعب صندوق الاستثمارات العامة السعودي (PIF) دوراً أساسيا في تحقيق طموحات المملكة للنهوض بمستقبل الهيدروجين كمصدر نموذجي للطاقة البديلة، ويسعى الصندوق للنهوض بمستقبل الهيدروجين كمصدرٍ نموذجيٍ للطاقة البديلة بما يعزز مكانة المملكة كمركز عالمي لإنتاج الهيدروجين ويحقق عوائد استثمارية مستدامة إلى جانب دوره في تحقيق هدف الوصول إلى الحياد الصفري بحلول عام 2050 بالنسبة للصندوق، و2060 بالنسبة للمملكة.
وتتكامل رؤى الصندوق لهذا القطاع من خلال جمع أطراف المعادلة كافة، عبر استثماراته الكبرى في مجال إنتاج الطاقة النظيفة، وخاصة الطاقة الشمسية، واستخدامها لاحقاً لتزويد الأسواق المحلية والدولية بالهيدروجين الأخضر الحيوي للمستقبل.
ويعمل الصندوق على هذا المسار من خلال مجموعة من المبادرات والمشاريع الكبرى ضمن محفظة الشركات التابعة له، وقد شرعت “نيوم”، أحد مكونات محفظة المشاريع الكبرى التابعة للصندوق، بتطوير أكبر مصنعٍ للهيدروجين الأخضر في العالم بقيمة إجمالية تبلغ 8.4 مليار دولار، من خلال شركة نيوم للهيدروجين الأخضر. وسيستفيد المصنع من حوالي 4 غيغاواط من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، لإنتاج ما يصل إلى 600 طن يوميا من الهيدروجين الخالي من الكربون.
وقد أعلنت شركة نيوم للهيدروجين الأخضر في وقت سابق، تسلمها الدفعة الأولى من توربينات طاقة الرياح، في خطوة مهمة على صعيد إنشاء وتطوير هذا المشروع العالمي الضخم، فيما يجري العمل حالياً على نقل محولات الطاقة براً إلى محطة طاقة الرياح، وذلك بغرض تجميعها وتركيبها. وستضم محطة طاقة في نهاية المطاف أكثر من 250 توربيناً لإمداد مصنع الهيدروجين الأخضر بالطاقة عبر شبكة مباشرة لنقل الكهرباء.
ومع اكتمال القدرة التشغيلية للمصنع بحلول عام 2026، ستصدر الشركة 100% من إجمالي الهيدروجين الأخضر المنتج إلى مختلف أنحاء العالم على شكل أمونيا خضراء، وذلك عبر اتفاقية شراء حصرية طويلة الأمد مع شركة “إير برودكتس” بقيمة 6,7 مليار دولار، تمتد إلى 30 عاماً لإنتاج 600 طن من الهيدروجين النظيف يومياً، وما يصل إلى 1.2 مليون طن من الأمونيا الخضراء سنوياً، ما يخفف من تأثير 5 ملايين طن متري من انبعاثات الكربون كل عام.
وقد صنّف التقرير السنوي لاتجاهات الاستثمار في تحول الطاقة الصادر عن “بلومبيرغ إن إي إف”، الإغلاق المالي لشركة “نيوم للهيدروجين الأخضر”، بأنه الركيزة والدافع الأهم للأداء القوي لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا في تعزيز حركة الاستثمار العالمية في الهيدروجين النظيف خلال عام 2023.
وتعزيزاً لاستراتيجيته الاستثمارية في صناعة الهيدروجين كأحد روافد قطاع الطاقة المتجددة الذي يمثل أحد القطاعات التي يستثمر فيها الصندوق، وقع صندوق الاستثمارات العامة اتفاقية مع شركة “ماروبيني” اليابانية مذكرة تفاهم لتطوير مشاريع الهيدروجين الأخضر ومشتقاته في المملكة، من أجل رفع قدراته التنافسية على الصعيد العالمي ومساهمته في تحويل المملكة إلى واحدة من أكبر مصدري الهيدروجين الأخضر على مستوى العالم.
كما وقع الصندوق مذكرة تفاهم غير ملزمة مع شركة جيرا (JERA)، بهدف استكشاف فرص التعاون بين الطرفين لتطوير مشاريع الهيدروجين الأخضر ومشتقاته، بما في ذلك الأمونيا لتصديرها خارج المملكة.
ووقع الصندوق مذكرة تفاهم بالتعاون مع خمسة شركاء كوريين، من بينهم POSCO وSamsung C&T بهدف تطوير مشروعٍ لإنتاج الهيدروجين الأخضر لغايات التصدير يعمل بالطاقة المتجددة بشكلٍ كامل، ويسهم في تعزيز دور المملكة النشط في التحول إلى الطاقة النظيفة.
كما يركز الصندوق على مشاريع الطاقة الشمسية مثل مشروع سدير، الذي يعتبر أحد أكبر محطات الطاقة الشمسية على مستوى العالم بطاقة 1,5 غيغاواط، وذلك في إطار دور الصندوق الذي يعمل على تطوير 70% من مشاريع الطاقة المتجددة في المملكة بحلول عام 2030.
وتشير التوقعات إلى أن هذه المقاربة الشاملة لصندوق الاستثمارات العامة، تعزز من تطلعات السعودية لدور محوري في إنتاج الهيدروجين عالمياً، كقطاع يحمل المزيد من فرص النمو الاقتصادي، واستحداث المزيد من الوظائف الجديدة، والمساهمة بفاعلية في تعزيز مسيرة العمل المناخي عالمياً، حيث يتوقع أن يسجل سوق الهيدروجين نمو بمعدل سنوي مركب يقارب 4% حتى العام 2030، لتتجاوز قيمته الاجمالية 58.5 مليار دولار، بحسب تقرير “حصة سوق الهيدروجين الأخضر وحجمها واتجاهاتها”، الصادر عن شركة أبحاث وتحليلات السوق “بولاريس ماركت ريسيرتش” الأميركية.
اقرأ أيضاً: ستاندرد آند بورز تنظر بإيجابية لمستقبل السعودية