في زمن يتقلب فيه الاقتصاد العالمي بين أزمات متعاقبة وفرص نادرة، تظل العلاقات الاقتصادية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية مثالاً على الشراكة الاستراتيجية التي تطورت على مدى ما يقارب قرن من الزمن. من أول بئر نفط إلى استثمارات بمليارات الدولارات في التكنولوجيا والتعليم، تنسج الرياض وواشنطن خيوط تعاون يزداد تماسكاً مع تعاقب الإدارات السياسية والظروف الاقتصادية.
صدر مؤخراً تقرير عن مجلس الأعمال السعودي – الأميركي، بالتزامن مع زيارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى المنطقة، يسلّط الضوء على هذا النسيج الاقتصادي المتشعب، كاشفاً عن تشابك المصالح وتنوع قطاعات التعاون بين الجانبين، من التجارة إلى البتروكيماويات، ومن التعليم إلى الطاقة.
جذور تاريخية… بداية الشراكة
ترجع أصول التعاون الاقتصادي بين البلدين إلى ثلاثينيات القرن العشرين، حين بدأت الشركات الأميركية بالاستثمار في قطاع النفط السعودي، ما شكل حجر الأساس لهذه العلاقة طويلة الأمد. وعلى مر العقود، لم تقتصر الشراكة على النفط فحسب، بل امتدت إلى مجالات التعليم، والبنية التحتية، والخدمات المصرفية.
وبحسب التقرير، تقوم العلاقة اليوم على أسس استراتيجية متعددة، تشمل الأمن، والطاقة، والتجارة، والتكنولوجيا. ومن أبرز مظاهر هذا التعاون توقيع اتفاقية إطار التجارة والاستثمار بين المملكة والولايات المتحدة، وهي اتفاقية لعشر سنوات أُبرمت عام 2022، بالتعاون بين مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية والسفارة الأميركية في الرياض، بهدف تعزيز التعاون العلمي والتقني.
تبادل تجاري بمليارات الدولارات
في عام 2024، احتلت السعودية المرتبة الثامنة والعشرين بين أكبر أسواق التصدير الأميركية، والثانية خليجياً بعد الإمارات. وبلغت قيمة الصادرات الأميركية إلى السعودية 13.2 مليار دولار، في حين بلغت الواردات الأميركية من المملكة 12.7 مليار دولار.
وتُعد المملكة ثالث أكبر مصدر للنفط إلى الولايات المتحدة، ما يرسخ دورها الحيوي في سوق الطاقة العالمية.
وفيما يتعلق بالاستثمارات المالية، تملك المملكة ما قيمته 140 مليار دولار من سندات الخزانة الأميركية (حتى مارس 2025)، مما يجعلها من بين أكبر 20 دولة حاملة لهذه السندات، وتحديداً في المرتبة السابعة عشرة.
جانب آخر من العلاقات يتمثل في التعليم، حيث تحتل المملكة المركز العاشر من حيث عدد الطلاب الدوليين الذين يدرسون في الجامعات الأميركية للعام الدراسي 2022-2023، وهو ما يعكس بعداً ثقافياً وإنسانياً يعزز التقارب بين الشعوب.
الاستثمارات: طريق ذو اتجاهين
بلغت الاستثمارات السعودية الخاصة في السوق الأميركية، بما فيها استثمارات صندوق الاستثمارات العامة، نحو 40.2 مليار دولار منذ 2007. ومن أبرز المشاريع السعودية في أميركا شركة «موتيفا إنتربرايزز» التابعة لأرامكو، وهي أكبر مصفاة نفطية في الولايات المتحدة.
كما تشارك «سابك» و«إكسون موبيل» حالياً في بناء مجمع بتروكيماوي عملاق بتكلفة 9.3 مليار دولار في تكساس، ضمن خطط التوسع الصناعي.
اقرأ أيضاً: النووي السعودي شيء والتطبيع شيء آخر.. ترامب يرتجل حلّ مفاجئ ضدّ الكيان!
من بلاكستون إلى لوسيد موتورز
يمتلك صندوق الاستثمارات العامة حصة كبيرة في أسهم شركات أميركية شهيرة، منها: Lucid Motors- Uber – Activision Blizzard – Electronic Arts. كما أطلق الصندوق بالشراكة مع «بلاكستون – Blackstone» صندوقاً ضخماً للبنية التحتية بقيمة 40 مليار دولار، ما يُظهر الطموح السعودي في تنويع الاستثمار وتعزيز النفوذ الاقتصادي عالمياً.
ويشير التقرير إلى وجود فرص استثمارية هائلة داخل المملكة في قطاعات الطاقة المتجددة، والنقل، والسياحة، والصحة، والتقنيات المالية. في المقابل، توجد فرص جاذبة في السوق الأميركية تشمل قطاع العقارات، وتصنيع السيارات، وصناعة البلاستيك، والبنية التحتية، ما يفتح المجال أمام تدفقات استثمارية سعودية أكبر نحو الغرب.
تحالف اقتصادي لا يعرف الحدود
ختاماً، ليست العلاقة الاقتصادية بين السعودية وأميركا مجرد تبادل تجاري أو تعاون نفطي، بل هي نموذج لشراكة استراتيجية مرنة، قادرة على التأقلم مع متغيرات القرن الحادي والعشرين. ومع تزايد الاعتماد المتبادل، يبدو أن هذا التحالف مرشح لمزيد من النمو، مدفوعاً بالثقة المتبادلة والمصالح المشتركة.