شهدت العلاقات السعودية التركية خلال الفترة الأخيرة تحوّلاً لافتاً، يعكس إرادة القيادتين في البلدين لتعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات، ففي زيارة رفيعة المستوى، استقبل الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي، نظيره التركي هاكان فيدان، في العاصمة الرياض، حيث جرت مناقشات مكثفة تناولت ملفات متعددة على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وتأتي هذه الزيارة كخطوة إضافية ضمن سلسلة من اللقاءات التي تهدف إلى تعزيز العلاقات بين البلدين، في ظل تنامٍ ملحوظ في التبادل التجاري والتعاون الدفاعي.
وأكّدت مصادر دبلوماسية تركية أن هذه المباحثات شملت ملفات حيوية، في مقدمتها الدفع بمستوى التعاون الاقتصادي والتجاري، ويُذكر أن حجم التبادل التجاري بين السعودية وتركيا بلغ 6.8 مليار دولار في عام 2023، محققاً زيادة بنسبة 15% عن العام السابق.
ويعكس هذا النمو نجاح البلدين في تخطي العقبات السابقة، وفتح آفاق جديدة للتعاون ضمن إطار مجلس التنسيق التركي السعودي الذي تأسس عام 2016، والذي يُعد أداة فعالة لتعميق التعاون الثنائي.
اقرأ أيضاً: ما هي أبرز ملامح التعاون الاستراتيجي بين السعودية وتركيا؟
من بين القضايا التي طُرحت خلال اللقاء، كان هناك تركيز خاص على التطورات في غزة، حيث شدد الجانب التركي على أهمية الضغط الدولي لتثبيت وقف إطلاق النار والعمل على تحقيق حل الدولتين كخيار مستدام للسلام.
كذلك، تناولت المناقشات الوضع في سوريا، حيث عبّر الجانب التركي عن تقديره لدور السعودية في دعم استقرار المنطقة، وأهمية التعاون بين البلدين لرفع العقوبات المفروضة على سوريا، والعمل على إعادة إعمارها بالتنسيق مع جهات إقليمية ودولية.
التعاون الدفاعي كان أيضاً محوراً رئيسياً للنقاشات، حيث شهدت الفترة الأخيرة زخماً ملحوظاً في هذا المجال، فقد عُقدت عدة اجتماعات على مستويات رفيعة بين المسؤولين العسكريين من الجانبين، منها الاجتماع السادس للجنة العسكرية السعودية التركية المشتركة في أنقرة، والذي ناقش سبل تعزيز التعاون الدفاعي وتطوير القدرات المشتركة.
كما أجرى مساعد وزير الدفاع السعودي، الدكتور خالد البياري، لقاءات مع مسؤولين أتراك ركزت على توطين التقنية ونقل المعرفة الدفاعية، بما يتماشى مع رؤية السعودية 2030.
زيارة الأمير فيصل بن فرحان إلى تركيا في تموز/يوليو الماضي كانت نقطة تحول مهمة في العلاقات الثنائية، حيث شهدت توقيع بروتوكول معدل لمحضر إنشاء مجلس التنسيق، بهدف توسيع مجالات التعاون لتشمل مختلف القطاعات السياسية والاقتصادية والأمنية، وهذا التوجه نحو تعزيز العلاقات لم يقتصر على الجوانب الرسمية، بل شمل أيضاً مجالات تجارية وصناعية حيوية.
اقرأ أيضاً: مساعي سعودية لرفع سريع للعقوبات عن سوريا
وفي سياق متصل، اعتبر وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أن انهيار نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد «قد يفتح المجال لفرص كبيرة للتغيير على المستوى الإقليمي»، مشيراً إلى أن التعاون مع السعودية «بلغ مستويات متقدمة» في عدد من الملفات، من بينها الملف السوري.
وخلال مقابلة أجراها مع قناة «الشرق» الإخبارية، أوضح فيدان أن «تركيا، بصفتها لاعباً رئيسياً في المنطقة، تسعى إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي من خلال التنسيق مع الدول المجاورة والدول الفاعلة عالمياً، مع إعطاء الأولوية لضمان مستقبل مستقر وآمن للشعب السوري وللمنطقة ككل».
وأكد فيدان أن الأزمة السورية «تمثل واحدة من أكثر الأزمات تعقيداً في العصر الحديث، حيث استمرت الحرب الأهلية لأكثر من عقد وأثرت بعمق على الأمن الإقليمي»، وأضاف: «شهدت السنوات الأخيرة من الأزمة حالة من الجمود، مما يتطلب اتباع استراتيجية أكثر فاعلية لتحقيق السلام والاستقرار».
كما شدد على أن تركيا ترى في سقوط النظام السوري الحالي وتشكيل إدارة جديدة في دمشق «فرصة لإحداث تحول إيجابي ليس فقط لسوريا، ولكن للمنطقة بأسرها»، وأوضح أن هذا التغيير قد يمهد الطريق نحو حل سياسي دائم يُنهي الأزمات الإقليمية ويعزز من استقرار المنطقة.
اقرأ أيضاً: بن فرحان من دمشق: ملتزمون بدعم سوريا وسيادتها
ووفقاً لمحللين سياسيين، فإن التقارب السعودي التركي لا يعكس فقط الرغبة في تحقيق المصالح المشتركة، بل أيضاً الحاجة إلى بناء شراكات استراتيجية تسهم في تعزيز الاستقرار الإقليمي، فالدولتان، باعتبارهما قوى إقليمية مؤثرة، تعملان على تنسيق مواقفهما بشأن القضايا الحساسة، بما في ذلك دعم استقرار سوريا في مرحلة ما بعد الأزمة، والتعامل مع تحديات المنطقة من خلال حوار بناء وشراكات مستدامة.
ختاماً، وفي ظل هذا التقدم، فإن مستقبل العلاقات السعودية التركية يبدو واعداً، مع استمرار الجهود لتعزيز التعاون على مختلف الأصعدة، فالاجتماعات المكثفة التي جرت مؤخراً تؤكد أن البلدين يعملان بروح من المسؤولية المشتركة، مدركين أهمية تحقيق الاستقرار والتنمية في المنطقة، هذا التقارب، إذا ما استمر بنفس الوتيرة، قد يتحول إلى نموذج يُحتذى به في بناء شراكات إقليمية فعالة تخدم الشعوب وتساهم في تحقيق السلام والتنمية.