كتب: محسن حسن
في إطار حرص القيادة السعودية برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الطموح الأمير محمد بن سلمان، على تحقيق أعلى معدلات الإنتاجية البشرية على كافة الصعد والمستويات القطاعية في البلاد، لم تكن الرعاية الصحية للمجتمع السعودي، بيئياً وبشرياً، ببعيدة عن مخططات التطوير والإصلاح الدائمة التي انتهجتها المملكة منذ إطلاق رؤية 2030م، سعياً نحو تعزيز القدرات الوطنية وتهيئة المجتمع الحاضن لخوض التحديات الكفيلة بالارتقاء السعودي نحو مصاف الدول الكبرى والاقتصادات المتقدمة.
وقد اقتضى هذا الطموح السعودي منذ إطلاق الرؤية وحتى اللحظة، استمرار الجهود الساعية نحو إرساء ملامح التكامل الصحي بين السعوديين، وكان ذلك من خلال تطبيق مجموعة من الخطط التنموية المستدامة، والهادفة إلى تطوير كافة القطاعات الصحية والسكانية جنباً إلى جنب مع النهوض بما يستلزمه ذلك من توفير البنى التحتية واللوجيستية، الأمر الذي ساعد بمرور الوقت على أن تصبح الرعاية الصحية الشاملة، محوراً أساسياً من محاور التطوير والبناء، ما تقدمت معه المملكة بقوة وبخطى ثابتة في الترتيب والتصنيف العالمي والدولي الخاص بالمؤشرات الصحية، خاصة مع تطور المجتمع السكاني وزيادة حجمه.
ملامح سكانية
وبالنظر إلى الاعتبارات السكانية الدافعة إلى حتمية التطوير في المنظومة الصحية السعودية، سنجد أن العقد الأخير، وخاصة في الفترة من 2013 وحتى 2022، ارتفع عدد سكان المملكة من 27.624.004 نسمة، إلى 32.175.224 نسمة، أي أن هذه الفترة شهدت زيادة القوة السكانية الإجمالية بنسبة 16%، حيث تفوق عدد السكان الذكور بواقع 19.678.595 نسمة، مقابل 12.496.629 نسمة من الإناث، وبحيث شكل معدل النمو السنوي السكاني 2.45%، وكان صافي المواليد الخام لكل 1000 نسمة هو 15.1، وبنسبة خصوبة كلية تبلغ 2.8%، بينما نجد أن التصنيف العام لسكان المملكة يميل إلى غلبة الفئات القادرة على العمل والإنتاج، وهو ما يساعد بحق على توفير القوى البشرية المتاحة لمواجهة التحديات التحديثية المنشودة في كافة القطاعات؛ إذ أن نسبة الشريحة العمرية من 15 إلى 64 تبلغ 72.8% من النسبة الإجمالية للسكان، في حين تشكل الفئة العمرية أقل من 15 سنة نسبة 24.5%. وفي إطار ما تحققه البلاد من تقدم في منظومة الرعاية الصحية، فإن نسبة العمر المتوقع للسعوديين منذ الولادة في زيادة وارتفاع؛ حيث تبلغ النسبة الإجمالية الحالية 78.8%، وهي في حق الإناث أكبر منها في حق الذكور؛ فهي لهن 79.9% مقابل 78.1% للذكور، وذلك وفق البيانات الصادرة عن الهيئة السعودية العامة للإحصاء.
اقرأ أيضاً: جود الإسكان في السعودية منصة خيرية شاملة
التوازن والنجاح
تتطلب إدارة منظومة التكامل الصحية بالمملكة العربية السعودية، تحقيق التوازن المطلوب بين الخدمات الصحية والسكانية من جهة، ومعدلات القوى البشرية المستقرة في عموم المحافظات والمناطق من جهة ثانية، وهو بدوره ما يساعد على تحقيق نجاح المنظومة، وعلى قدرتها على أداء مهامها المنوطة بها؛ فعلى سبيل المثال نجد أن العاصمة السعودية الرياض تستأثر بقوة سكانية تبلغ 8.591.748 نسمة، من بينهم 4.439.210 من السعوديين، مقابل 4.152.538 من غير السعوديين، ومن ثم، فإنها تستحوذ على أكبر قدر من الرعاية الصحية والسكانية، ثم يليها في ذلك المناطق القريبة من حيث الكثافة السكانية، مثل جدة 3.971.816 نسمة، و المنطقة الشرقية 3.553.980 نسمة، و مكة 2.677.810 نسمة، والمدينة المنورة 2.137.983 نسمة، وهكذا في مناطق مثل عسير وجازان و القصيم.
ومن جهة أخرى، فإن هناك تحسناً ملحوظاً في مؤشر الوفيات بالمملكة، حيث شهدت السنوات من 2021 وحتى 2023، مثلاً، تراجعاً في معدلاتها؛ إذ تراجعت نسبة الوفيات الخام لكل ألف نسمة من 2.81 (2021)، إلى 2.62 (2022)، ثم إلى 2.39(2023)، كما انخفض معدل وفيات الأطفال الرضع في الفترة من 2010 إلى 2022، من 16.9 وفاة لكل ألف مولود حي(2010)، إلى 7.41 وفاة(2022)، أي بنسبة انخفاض قدرها 56%، كما انخفض معدل وفيات الأطفال أقل من خمس سنوات في الفترة ذاتها بنسبة 48%، وتحديداً من 19.5، إلى 10.05 وفاة. وعلى مستوى السلامة المرورية، نجد تحسناً ملحوظاً، سواء على مستوى عدد الإصابات أو عدد الوفيات؛ فبحسب اللجنة الوزارية للسلامة المرورية بالمملكة، شهدت الفترة من 2014، وحتى 2023، انخفاض معدل الإصابات المرورية لكل 100 ألف نسمة بنسبة 44%، وتحديداً من 38.120 (2016)، إلى 24.002 (2023)، وكذلك انخفاض معدل الوفيات المرورية بنسبة 50%، وتحديداً من 8.759 (2016)، إلى 4.423 (2023).
اقرأ أيضاً: الطبقة الوسطى السعودية متطلبات البناء الراهن ومحددات التحديث القادم
موارد صحية
وبما أن التطوير والتحديث لمستويات الرعاية الصحية والسكانية يقوم في الأساس على تعزيز الركيزة البشرية من الكوادر المتخصصة في تقديم تلك الرعاية، حرصت منظومة الصحة السعودية خلال السنوات الأخيرة على رفع أعداد قواها ومواردها التخصصية في مجال الرعاية الصحية؛ فعلى سبيل المثال، بلغ عدد الأطباء الإجمالي لكل عشرة آلاف نسمة 41.4 طبيباً، وتفصيلياً بلغ عدد الأطباء البشريين 33.7، وأطباء الأسنان 7.7، والصيادلة 10.9، في حين بلغ عدد الممرضات بما فيهم القابلات 64.7 ممرض وممرضة وقابلة، كما بلغت مراكز الرعاية الصحية الأولية بوزارة الصحة السعودية 0.63 مركزاً لكل عشرة آلاف، في حين بلغت الأسرة بعموم القطاعات الصحية بمستشفيات المملكة 23.7 سريراً لذات العدد، وذلك وفق التقديرات الخاصة بالعام 2023، وعلى مستوى أعداد المستشفيات بالمملكة سواء المستشفيات الحكومية أو الأهلية أو الخاصة، فقد زادت نسبتها في الفترة من 2014 وحتى 2023م؛ حيث زادت مستشفيات وزارة الصحة من 270 مستشفى عام 2014، إلى 290 عام 2023، أي بنسبة 7%، وزادت مستشفيات الجهات الحكومية الأخرى من 48 عام 2014 إلى 59 عام 2023، أي بنسبة 23%، بينما زادت مستشفيات القطاع الخاص من 141عام 2014 إلى 150 عام 2023 أي بنسبة 6%، لتبلغ نسبة زيادة عدد المستشفيات عموماً في المملكة خلال تلك الفترة 9% وهي زيادة إيجابية بكل تأكيد.
وهذه الزيادة المطردة في قوى الموارد الصحية، وخاصة في عدد الأطباء، والذين زاد عددهم في وزارة الصحة السعودية بنسبة 70% وتحديداً من 38458 طبيباً عام 2014، إلى 65316 عام 2023، وفي الجهات الحكومية الأخرى من 14328 عام 2014، إلى 22041 عام 2023 أي بنسبة زيادة قدرها 54%، وفي القطاع الخاص من 28746 عام 2014، إلى 51913 عام 2023 أي بنسبة 81%، ليرتفع عدد الأطباء عموماً في المملكة من 81523 طبيباً عام 2014 إلى 139270 طبيباً عام 2023، أي بنسبة زيادة قدرها 71%، هذه الزيادة المطردة في قوى الطب البشري وطب الأسنان، ساعد كثيراً في تطبيق وتفعيل خطط التحصين الدوري والمستدام ضد الأمراضن وهو ما زادت في ظله النسبة المئوية للتغطية بالتحصينات الرئيسية مثل التحصين ضد الدفتيريا والكزاز والسعال الديكي والالتهاب الكبدي وشلل الأطفال وغيرها فكانت نسبة تغطية اللقاح السداسي مثلاً 96.8%، و لقاح شلل الأطفال الفموي 96.4%، ولقاح الدرن 96.5، واللقاح الثلاثي الفيروسي 96.0%، ولقاح البكتيريا العقدية الرئوية 96.0%، وفق التقديرات الموثقة للعام 2023م. وقد أثمرت هذه الجهود الحثيثة للمنظومة الصحية السعودية في تحقيق نجاحات متنامية في مجال الحد من معدلات الإصابة بالأمراض المشار إليها و المستهدفة بالتحصين؛ فعلى سبيل المثال تراجعت نسبة الإصابة بشلل الأطفال في المملكة إلى 0.00%، وتراجع الكزاز الوليدي لكل ألف مولود حي إلى 0.006% عام 2023، وتراجع السعال الديكي إلى 0.30% في ذات العام، والدرن الرئوي إلى 5.98%، والدرن غير الرئوي إلى 1.71%. وبحلول عام 2023 وصلت المملكة ببعض الأمراض المعدية إلى القيمة الصفرية؛ فخلال العام المذكور لم تتلق المنظومة الصحية السعودية أية بلاغات عن العديد من الأمراض مثل الكوليرا والطاعون وحمى الوادي المتصدع، والحمى الصفراء ، والتيفود، وداء الكلب، وداء المشوكات، وشلل الأطفال، والملاريا.
اقرأ أيضاً: دراسة طبية سعودية الأعلى تأثيراً لعام2024
مؤشرات عالمية
ومن خلال المعطيات والنجاحات الأخيرة التي حققتها منظومة الرعاية الصحية والسكانية في المملكة، نستطيع الجزم بأن مستوى ما تقدمه البلاد صحياً وسكانياً خلال السنوات الأخيرة، يرتقي بها إلى مصاف المعايير الدولية والعالمية المستدامة في تقديم الخدمات الصحية على أرضها، وهو ما نلمسه من عدة مؤشرات متحققة على أكثر من صعيد صحي؛ فمثلاً بلغت نسبة الأخصائيين الصحيين المهرة والفائقين الذين يُشرفون على الولادات 99.8%، كما بلغت نسبة السكان المشمولين والمستهدفين بالخدمات الصحية الأساسية بين السعوديين 77.8%، وهي نسبة آخذة في الارتفاع والزيادة، ما يدل على تقدم كبير في تقديم الخدمات الصحية الرئيسية، في حين بلغت نسبة المرافق الصحية التي تقدم الأدوية الضرورية المدعومة حكومياً للمواطنين والقاطنين بالمملكة عموماً 98.4%، ووصلت نسبة تغطية العلاجات المضادة لفيروس نقص المناعة البشرية بين المصابين بها 94.3%، وقد أصبحت قدرة المنظومة الصحية السعودية على تطبيق المعايير العالمية من حيث الجاهزية لمواجهة حالات الطواريء المرضية، فائقة ومتقدمة وبنسبة تفوق الـــ 95%؛ حيث يبلغ معدل الأطباء الجراحين لكل 100 ألف 73.5 جراحاً، بينما على مستوى الصحة النفسية يبلغ عدد الأطباء النفسيين 4.9 طبيباً لذات القدر من السكان، إلى غير ذلك من المؤشرات الإيجابية الدالة على الارتقاء الدائم والمستدام بمنظومة الرعاية الصحية السعودية وفق معايير دولية وعالمية. وفي الحقيقة لا يمكن إغفال ما تتمتع به منظومة الرعاية الصحية السعودية من بنية تحتية معنية بتنمية مطردة في عدد المرافق الصحية الخادمة للقطاع الصحي، فعلى سبيل المثال، امتلك القطاع الصحي بوزارة الصحة السعودية خلال 2023م العديد من المرافق الصحية المتنوعة من حيث التخصصات؛ فهناك 223مركزاً أو وحدة للغسيل الكلوي، و33 مراكزاً لعلاج السكري والغدد الصماء.
الهلال الأحمر
وبالطبع، تلعب هيئة الهلال الأحمر السعودي دورها المحوري في دعم ومساندة المنظومة الصحية الوطنية بالمملكة، حيث ساهمت هذه الهيئة الطبية والصحية في إسعاف ونقل العديد من المرضى والمصابين وغيرهم خلال حالات الطواريء الحرجة، وهي الإسهامات والإسعافات التي تقدم قيمة إيجابية مضافة إلى الرعاية الصحية المقدمة لعموم السعوديين خلال السنوات الماضية، والتي يتوقع لها أن تضيف المزيد من هذه القيمة خلال السنوات القادمة بكل تأكيد؛ فخلال الخمس سنوات من 2019 وحتى 2023، نقلت هذه الهيئة آلاف الحالات المرضية والطارئة؛ ففي 2019 نقلت 353.929 حالة، وفي 2020 نقلت 422.873 حالة، وخلال 2021 نقلت 458.449 حالة، وفي 2022 نقلت 534.912 حالة، وفي 2023 نقلت الهيئة 840.312 حالة، أي بإجمالي 2.610.475 حالة، وتتميز جهود الهلال الأحمر السعودي بحرفية طبية عالية من حيث جودة المعايير وتقديم الخدمات الصحية الأولية أثناء الإسعافات والنقل، خاصة وأن معظم حالات التدخل تكون في ظروف طارئة وأحوال جد خطيرة، وهو ما تحرص الهيئة على تطويره وتحديثه بشكل مستدام وفق أفضل المعايير الدولية والعالمية.
اقرأ أيضاً: وزارة الصحة تُحيل ممارسين صحيين للجهات المختصة
رعاية دولية
ولا تقتصر منظومة الرعاية الصحية بالمملكة على تقديم الخدمات الطبية والعلاجية داخل الحيز الوطني والمحلي فقط، وإنما بالطبع، تقدم المنظومة خدماتها للسعوديين وللوافدين على السواء ضمن حالات تتطلب السفر إلى خارج البلاد، خاصة إذا ما تطلبت الحالة المرضية المزيد من تقديم الرعاية و إجراء الاستشارات مع المنظومات الصحية النظيرة في العديد من دول العالم ضمن رعاية طبية دولية مكفولة على مستوى التعاون بين الحكومات والدول، وعلى سبيل المثال، شهد عام 2023م في المملكة العربية السعودية، إرسال العديد من الحالات المرضية إلى الخارج للعلاج؛ حيث تم إرسال 651 حالة مرضية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، و 233 حالة إلى ألمانيا، و 126 حالة إلى المملكة المتحدة، و25 حالة إلى فرنسا، وخمسة حالات إلى إسبانيا، بالإضافة إلى حالة واحدة إلى إيطاليا، ومعظم هذه الحالات تتداخل فيها الاعتبارات الطبية مع الاعتبارات الاجتماعية للمرضى، خاصة المرضى من محدودي الدخل وذوي الاحتياجات الخاصة، مع العلم أن مستشفيات وزارة الصحة السعودية تشتمل على أقسام للخدمات الاجتماعية تقدم جهودها ودعمها للمرضى بناء على بحوث اجتماعية دقيقة، وقد قدمت هذه الأقسام خلال ذات العام المذكور(2023م) دعمها الصحي والطبي لحالات عديدة منها مثلاً 4.990 حالة ناجمة عن الاعتداء والعنف، و 53.448 حالة ناجمة عن مخالفة للنصائح الطبية، و 26.460 حالة لأسباب مادية، و 29.961 حالة لمرضى الإقامة الطويلة، و 15.802 حالة لذوي الاحتياجات الخاصة، و 2.013 حالة ناجمة عن إيذاء النفس، و 490.840 حالة لأسباب نفسية واجتماعية مرتبطة بالمرض، و 160.910 حالة لأسباب متفرقة أخرى.
مؤشرات الأداء
وبشكل عام، أصبحت مؤشرات الأداء الصحي لمنظومة الرعاية الطبية بالمملكة العربية السعودية، تتسم بالإيجابية وسرعة الإنجاز وتوفير الوقت والجهد، بالتزامن مع تحقيق نتائج طبية عالية الجودة، وذلك بدءاً بدخول العيادات الخارجية وانتهاءاً بالخروج والشفاء من الأمراض، فمثلاً أصبح متوسط وقت الانتظار لمواعيد العيادات الخارجية 11.8/يوم بدلاً من 28.31/يوم في السابق، وبلغ متوسط مدة إقامة المرضى داخل المستشفيات 3.66/يوم، ومتوسط مدة الإقامة في غرفة العناية الحرجة 3.6/يوم، وبعد أن كانت مدة انتظار المريض من أجل الدخول إلى غرفة العمليات تستغرق أكثر من 35 يوماً في السابق، أصبحت تستغرق أقل من سبعة أيام في الوقت الحالي، وكل مؤشرات الأداء هذه إلى جانب غيرها من المؤشرات الإيجابية الأخرى، والدالة على استمرار جهود الاستدامة الصحية وتحقيق أعلى معدلات الحرفية الطبية، تؤكد عمق النظرة الشاملة والمحيطة للقيادة السعودية تجاه جدوى الرعاية الصحية وأهميتها في تحقيق أعلى معدلات القدرة البشرية على العمل والإنتاج سعياً نحو تحقيق الأهداف الإصلاحية المنشودة ضمن خطط الطوير والتحديث وضمن استراتيجيات المستقبل الهادفة إلى الارتقاء بحياة الأسرة السعودية وحياة كل من تحط قدمه للاستقرار أو العمل على أرض المملكة.
اقرأ أيضاً: إدارة الأمن المجتمعي في السعودية.. منظومة وطنية لمحاربة الاتجار بالبشر