منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، أخذت كرة القدم منحى مختلف عما كانت عليه في ثمانينات القرن العشرين وحتى قبل تلك الفترة أيضاً. المنعطف الجديد الذي أخذته كرة القدم لم يكن مقتصراً فقط على تطور الأساليب الفنية ولا على دخول التطبيقات العلمية بشكل كبير إلى عالم كرة القدم، بل أن الجانب التجاري ازدهر بشكل كبير أيضاً مع تطور وسائل الإعلام والتلفزة، ومع تطور هذه الوسائل لتلك الدرجة، تسابقت كبرى الشركات التجارية حول العالم لاستغلال الأحداث الرياضية الضخمة لإبراز اسمها وعلامتها التجارية على الساحة أكثر وأكثر. تعاظم هذا في مونديال أمريكا، ولا يزال قائماً وصولاً لمونديال السعودية 2034
وبدون أدنى شك، لم تجد هذه الكيانات التجارية الضخمة وسيلة أفضل من كرة القدم للترويج لاسمها لأنها اللعبة الأكثر شعبية بين كل الرياضات على مر التاريخ. على سبيل المثال، في بطولة كأس العالم 1994 التي أقيمت في الولايات المتحدة الأمريكية، شركات راعية للبطولة مثل ماكدونالدز MacDonalds، دفعت ما قدره 20 مليون يورو للاتحاد الدولي لكرة القدم FIFA، بالإضافة لشركات أخرى مثل ماستر كاردس Master Card وجينيرال موتورز General Motors. وذكر كبير مسؤولي الصحافة في بطولة كأس العالم 1994، جون غريفين Jhon Griffin، أن المنظمة المسؤولة عن استضافة الحدث ستجني حينها ماقدره 20 إلى 25 مليون يورو من حقوق الرعاية والتذاكر التي تشتريها الجماهير.
بالمقابل، ذكر تقرير أعده موقع The Christian Science monitor عام 1993، أن الشركات التي دفعت ليظهر اسمها في البطولة ستحصل على حقوق تسويقية ضخمة، وسيتم ترويج اسمها ليظهر لما يقارب 2 مليار شخص لتلك البطولة لوحدها، وهو العدد الذي فاق مشاهدي الدوري الوطني لكرة القدم الأمريكية لعام 1993.
وبحديثه يومها عن الفرصة العظيمة التي تقدمها مثل هذه البطولات للشركة الراعية، أكد هويت هاربر Hoyt Harper، نائب الرئيس ومدير التسويق لشركة ITT Sherton وهي واحدة من الشركات التي كانت راعية للبطولة، قائلاً:” أن رعاية هذا الحدث الصخم سيوفر لهم فرصة فريدة لعرض أفضل فنادقنا، وأنه هناك جوانب عديدة ترويجية هائلة لهذه الرعاية في الولايات المتحدة وحول العالم أيضاً”.
وبحسب دراسة أجراها أستاذا الاقتصاد في جامعة جنوب كاليفورنيا، بيتر روزندورف Peter Resendordf وآندي نيومير Andy Neumer، كان من المتوقع أن يتم انفاق ماقدره 4 مليار دولار بذلك الوقت لتلك البطولة فقط في الولايات المتحدة، بين شراء التذاكر، وما سيتم صرفه من السياح داخل البلد المستضيف.
وكمثال آخر، قامت شركة ماكدونالدز -وهي من الشركات الراعية للبطولة- بإضافة حملات ترويجية وتسويقة للبطولة ولبرامج كرة القدم، وهو ما ذكرته المتحدثة الرسمية باسم عملاق الوجبات السريعة حينها، ريبيكا كاروسو، قائلة: “لاشك أن شعبية كرة القدم ساهمت بشكل كبير في دعم هذه الرعاية الترويجية“.
بالنظر لما حققته بطولة كأس العالم 1994 من نجاحات اقتصادية، بسبب أنها واكبت فترة الازدهار الكبير لتطور النقل التلفزي والإعلاني، يمكن أخذ نظرة سريعة عن ما ستجنيه بطولة كأس العالم 2034 بعد مرور أكثر من أربعين عاماً على بطولة كأس العالم في الويلات المتحدة الأمريكية.
كأس العالم 2034: عنصر فعال في نهضة قطاع السياحة السعودي!
من المتوقع أن تحوّل استضافة بطولة كأس العالم 2034 في المدن السعودية وبمقدمتها الرياض، الواقع السياحي السعودي تحويلاً جذرياً، وسيساهم بتسريع التنوع الاقتصادي في البلاد بحسب ما ذكره خبراء متخصصين بالجانب السياحي.
من المقرر أن تستضيف المملكة البطولة ب15 ملعباً موزعين على مدن المملكة العربية السعودية، بعد أن حصلت على حق استضافة هذه النسخة من قبل الهيئة الدولية الحاكمة للرياضة.
تحدث وزير السياحة السعودي أحمد الخطيب عن قطاع السياحة الرياضية في المملكة العربية السعودية وأكد أن هذا القطاع يشهد نمواً متسارعاً منذ إطلاق الرؤية الخاصة بالمملكة لعام 2030 قبل تسع سنوات من اليوم. وللتأكيد على كلامه، استضافت المملكة أكثر من 80 حدثاً رياضياً دولياً منذ إطلاق هذه الرؤية ورحبت ب 2.5 مليون زائر في السنوات الأربعة الماضية.
بعد تعزيز الواقع السياحي في المملكة العربية السعودية، بجعله واحداً من أهم أهداف وركائز رؤية 2030، سيكون لهذا الواقع مردود اقتصادي كبير مستقبلاً، لأن المملكة العربية السعودية تعمل حالياً على تنويع اقتصادها من خلال تقليل اعتمادها التاريخي والمستمر على عائدات استخراج وتكرير النفط الخام.
لذلك تهدف الإستراتيجية الوطنية الطموحة للسياحة الخاصة بالمملكة العربية السعودية إلى جذب 150 مليون زائر قبل نهاية هذا العقد. وبحسب ما ذكره لـ صحيفة Arab News، قال فيديريكو بينوفي Federico Pienovi، الرئيس التنفيذي للأعمال والرئيس التنفيذي للأسواق الجديدة في جلوبانت Globant أن هذا الحدث العملاق (يقصد كأس العالم) يقدم فرصة هائلة للمملكة العربية السعودية لتطوير قطاعات متعددة. قائلاً: “تُحدث استضافة كأس العالم لكرة القدم نقلة نوعية في قطاع السياحة في المملكة العربية السعودية. فبالنسبة للمملكة العربية السعودية، تُمثل كأس العالم لكرة القدم 2034 إنجازًا رئيسيًا في استراتيجيتها لرؤية 2030، إذ تُسرّع من وتيرة التنويع الاقتصادي بعيدًا عن النفط من خلال تعزيز السياحة والضيافة والبنية التحتية وتطوير المدن الذكية“.
اقرأ أيضاً: السعودية تعلن خطة تطوير ملاعب كأس العالم 2034
وأضاف فيديريكو، أن البطولة تعمل على تسريع طموحات المملكة في زيادة أعداد السياح من خلال وضع المملكة على خريطة السياحة الترفيهية والتجارية المستقبلية.
وبآراء متشابهة مع رأي فيديريكو بينوفي، أكد غوليام ثايبولت Guillaume Thibault، مدير الرياضة والترفيه في شركة Oliver Wyman أن هذا الحفل الكروي الضخم سيجذب أكثر من 10 ملايين زائر دولي للمملكة العربية السعودية، ومن المتوقع أن يؤثر هذا الحدث على تسريع الاستراتيجيات الوطنية للمملكة العربية السعودية في مجالات السياحة والنقل وجودة الحياة أيضاً، وخلق فرص عمل كبيرة في عملية البناء الخاصة بالملاعب والمنشآت الرياضية بالإضافة لفرص العمل الكثيرة خلال فترة استضافة البطولة أيضاً.
ومن الجدير بالذكر أن بطولة كأس العالم 2010 على سبيل المثال ساهمت برفع الناتج المحلي ونموه في جنوب أفريقيا بنسبة تصل إلى 10٪ مع توفير عشرات الآلاف من فرص العمل للسكان المحليين. بحديثه عن استضافة السعودية لكأس العالم، أكد ماكس كلنتي Max Klante، المدير العام والشريك في مجموعة بوسطن الاستشارية، أن الأحداث الرياضية الكبرى مثل كأس العالم 2034، وسباقات الفورمولا 1، ودورة الألعاب الآسيوية المقبلة ستكون نقطة عرض السعودية للجمهور العالمي كوجهة سياحية أولى في العالم، وأضاف: إن دمج الرياضة والإعلام والترفيه والثقافة يعزز حضورها الدولي، ويدعم نمو السياحة فيها على المدى الطويل.
التأثيرات طويلة المدى للبطولة
استضافة الأحداث الرياضية الكبرى لن يعزز الواقع السياحي في المملكة فحسب بل سيدعم أيضاً نمو البنية التحتية الرياضية والسياحية المرتبطة بها للبلاد لعشرات السنين القادمة. عند تنفيذ هذه المشاريع الضخمة بشكل استراتيجي ومدروس، تخلف هذه الأحداث الكبرى أثراً مستداماً يتجاوز البطولة نفسها لأن هذه الأحداث الرياضية الكبرى تؤثر على السياحة وفرص الاستثمار وخلق فرص العمل أيضاً. وكمثال إضافي، ساهمت دورة الألعاب الأولمبية في لندن 2012 بتزويد الاقتصاد البريطاني بمبلغ 17 مليار دولار، مما يثبت أن هذه الأحداث الرياضية لها أثر مفيد طويل الأمد على البلدان المستضيفة.
اقرأ أيضاُ: كأس العالم لسباقات الدرونز لأول مرة في موسم الرياض