على مدى عقود، ظلّ النزاع المسلّح بين السلطة في تركيا و«حزب العمال الكردستاني» واحداً من أكثر الملفات تعقيداً في المنطقة، حيث راح ضحيته عشرات الآلاف من الأرواح، وتحوّل إلى قضية شائكة تمتدّ تداعياتها إلى داخل تركيا وخارجها.. غير أنّ إعلاناً مفاجئاً صدر مؤخراً قد يشكّل منعطفاً تاريخياً في مسار هذا الصراع الطويل، فمؤسس الحزب، عبد الله أوجلان، أطلق دعوة صريحة لحلّ الحزب والتخلي عن السلاح، وهي خطوة لقيت ترحيباً واسعاً من عدة أطراف دولية وإقليمية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.
أعربت الرياض عن دعمها لهذه المبادرة، مؤكدة في بيان صادر عن وزارة خارجيتها أنّها تأمل أن تثمر هذه الخطوة تحوّلات فعلية تُفضي إلى تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، وبيان الرياض جاء بعد بيان تاريخي نُقل عن أوجلان عبر وفد من «حزب الشعوب الديمقراطي»، بعد لقائه به في سجنه الانفرادي بجزيرة إيمرالي.
وفي تركيا، تفاعلت الأوساط السياسية مع إعلان أوجلان، حيث اعتبر نائب رئيس «حزب العدالة والتنمية» الحاكم، أفكان آلا Efkan Ala، أنّ استجابة الحزب لهذه الدعوة ستُحرّر تركيا من قيود طالما أثّرت على استقرارها وأمنها الداخلي.
اقرأ أيضاً: ما هي أبرز ملامح التعاون الاستراتيجي بين السعودية وتركيا؟
ورغم أنّ العملية السلمية السابقة بين أنقرة و«حزب العمال» انهارت قبل نحو عقد، فإنّ هذه الدعوة الجديدة قد تفتح الباب أمام مسار مختلف، لا سيما أنّ الحزب الذي بدأ نشاطه العسكري عام 1984 بهدف إقامة كيان كردي مستقل، تحوّل لاحقاً إلى المطالبة بمزيد من الحكم الذاتي في جنوب شرق تركيا.
قسد تبدي موقفاً إيجابياً
ولم يقتصر الترحيب بهذه المبادرة على الداخل التركي فحسب، بل امتدّ ليشمل إقليم كردستان العراق، حيث أكّد رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني دعمه الكامل لمبادرة أوجلان، داعياً الحزب إلى الالتزام بها وتنفيذها، وكتب في منشور على منصة «إكس» أنّ هذه الخطوة تمثّل فرصة حقيقية للسلام، معبّراً عن استعداد الإقليم لدعم أي جهود تصبّ في هذا الاتجاه.
وفي السياق ذاته، أبدت «قوات سوريا الديمقراطية – قسد» موقفاً إيجابياً من هذه المبادرة، معتبرة أنها قد تساهم في إنهاء حالة الحرب وتدشين عملية سياسية داخل تركيا، غير أنّ قائد القوات، مظلوم عبدي، شدّد على أنّ هذه الدعوة تخصّ «حزب العمال» ولا ترتبط بالقوات التي يقودها في سوريا.
البيت الأبيض يرحّب..
على الصعيد الدولي، لاقت هذه الخطوة صدى واسعاً، إذ عبّر البيت الأبيض عن ترحيبه بها، مؤكداً على لسان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، بريان هيوز Bryan Hughes، أنّها قد تُطمئن تركيا فيما يتعلّق بشركاء الولايات المتحدة في محاربة تنظيم «داعش» بشمال شرق سوريا، واعتبر أنّها خطوة قد تُسهم في تحقيق قدر من الاستقرار في منطقة لطالما عانت من التوترات والصراعات.
اقرأ أيضاً: لقاء سعودي تركي.. وفيدان: سقوط الأسد فرصة!
بالمجمل، يبدو أنّ إعلان أوجلان يحمل في طيّات دعوته بوادر مرحلة جديدة قد تُفضي إلى إعادة رسم ملامح المشهد السياسي والأمني في المنطقة، خصوصاًُ أن الحزب أعلن اليوم السبت 1 آذار/مارس 2025 استجابته لدعوة عبد الله أوجلان، ففي بيان للجنة التنفيذية لحزب العمال الكردستاني جاء التالي: «استجابةً لنداء القائد (أوجلان) للسلام والمجتمع الديمقراطي، نعلن وقفاً لإطلاق النار اعتباراً من اليوم، وأنه رغم أي هجمات قد تُشن، فإن قوات الحزب لن تبادر إلى تنفيذ عمليات عسكرية».
وفي البيان المشار إليه، أعرب الحزب عن آماله بأن تطلق أنقرة سراح قائد الحزب عبد الله أوجلان المحتجز في عزلة تامة كي يتسنى له قيادة عملية نزع السلاح، فيما تحدث الحزب أيضاً «عن حاجة لوضع شروط سياسية وديمقراطية لإنجاح العملية».