في زمنٍ أثقلت فيه الأزمات كاهل الشعب السوري، وأرهق المرض من لا طاقة لهم بالانتظار، حطّت طائرة سعودية في مطار دمشق الدولي، لا تحمل أدوات دبلوماسية ولا أوراق مصالح سياسية، بل جاءت محملة بالأمل، متمثلاً بفريق طبي تطوعي قادم من السعودية، حاملاً معه خبرته، ووقته، وقلبه، ليمنح الحياة لمن ظن أن الحياة قد أدارت له ظهرها.
وفد طبي سعودي في دمشق
وصل إلى العاصمة السورية دمشق يوم الثلاثاء 15 نيسان/أبريل 2025، وفد طبي تطوعي يضم 24 متخصصاً في مجالات طبية مختلفة، تابعين لـ«مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية». وجاءت هذه الزيارة في إطار تنفيذ مشروع طبي تطوعي خاص بجراحات القلب المفتوح والقسطرة القلبية للبالغين، بالتعاون مع «جمعية البلسم للتدريب والتطوير الصحي»، في خطوة إنسانية تستهدف سد الفجوات الكبيرة في القطاع الصحي السوري، وتخفيف قوائم الانتظار الطويلة التي تؤرق المرضى.
برنامج «أمل»: مشروع ممتد لعام كامل
وفي حديث له حول المبادرة، أشار الدكتور علي القرني، مدير إدارة التطوع في المركز، إلى أن هذا المشروع يُعد جزءاً من برنامج «أمل» الذي أطلقه الدكتور عبد الله الربيعة في شباط/فبراير الماضي، والمخصص لسوريا، حيث يشمل البرنامج أكثر من 104 حملة طبية وتدريبية تطوعية تغطي أكثر من 45 تخصصاً طبياً. ويشارك في هذه المبادرة أكثر من 3 آلاف متطوع سعودي، ضمن خطة عمل تطوعية تتجاوز 218 ألف ساعة خلال عام كامل.
فجوة صحية كبيرة.. والمبادرة استجابة ميدانية
وفق المصادر المختلفة، فقد اعتمدت المبادرة على تقييم ميداني أجري في وقت سابق من هذا العام، وكشف عن وجود نقص حاد في الخدمات الصحية داخل سوريا. ومن هنا، جاءت حملة جراحة القلب المفتوح والقثطرة كخطوة أولى في سد هذه الثغرات، حيث من المتوقع إجراء ما بين 80 إلى 100 عملية خلال هذه المرحلة، في مستشفى المواساة بدمشق، للمرضى القادمين من مختلف المحافظات السورية.
«جمعية البلسم».. شريك إنساني في المهمة
وأكدت جمعية البلسم أن فريقها المتطوع سيجري نحو 15 عملية قلب مفتوح و80 قثطرة قلبية خلال الفترة الممتدة من 15 إلى 22 نيسان/أبريل. وقد نشرت الجمعية عبر حسابها على منصة «إكس» صوراً توثّق الجهود المبذولة داخل غرف العمليات، وسط تفاعل لافت من الجمهور.
وفق الجمعية، تأتي المبادرة امتداداً للجهود السعودية المستمرة لدعم الشعب السوري، في ظل الظروف المعقدة التي مرت بها البلاد، وتسعى هذه الحملة لتوفير الدعم الطبي للمرضى من ذوي الدخل المحدود، وتخفيف العبء عن النظام الصحي المحلي، عبر تقديم خدمات علاجية مجانية متخصصة.
دعوة للمتطوعين… والفرص مفتوحة
وفي خطوة لافتة، وجه مركز الملك سلمان دعوة مفتوحة لكل الراغبين من المتخصصين في المجال الطبي للمشاركة في البرنامج التطوعي «أمل»، للمساهمة في دعم القطاع الصحي السوري. وتشمل التخصصات المطلوبة جراحة القلب، جراحة الأطفال، الطوارئ، النساء والولادة، العلاج الطبيعي، النطق والتخاطب، التخدير، زراعة القوقعة، والعديد من المجالات الطبية الحيوية.
وسبق أن نفّذ المتطوعون السعوديون ضمن هذا البرنامج أكثر من 200 ألف عملية طبية في 57 دولة حول العالم. ووفقاً لما أكده الدكتور سامر الجطيلي، المتحدث باسم المركز، فإن التخصصات تم تحديدها بناء على التنسيق المباشر مع الجهات الصحية السورية، بما يضمن توجيه الجهود إلى حيث الحاجة الفعلية.
وأشار الجطيلي إلى أن خبرة البرنامج المتراكمة ساهمت في تشكيل منظومة دعم متكاملة، قادرة على التدخل في المناطق المتضررة حول العالم، واليوم، تنتقل هذه الخبرة إلى سوريا، لتشكّل فارقاً ملموساً في حياة مئات المرضى، وتمنحهم فرصة ثانية للحياة.
اقرأ أيضاً: «لاحق».. أول جزيرة سكنية سعودية خاصة ستبصر النور قريباً
ختاماً، يمكن القول، إن مبادرات كهذه، وفي عالم يزداد فيه الألم، وتضيق فيه خيارات الشفاء على كثيرين؛ تؤكد أن الإنسانية لا تعترف بالحدود، وأن نبض القلب يمكن أن يكون رسالة، لا مجرد إشارة بيولوجية. فهنا، بين غرف العمليات وأروقة الأمل، لا تُزرع الصمامات فقط، بل تُزرع الثقة في أن العالم ما زال بخير، وأن هناك من يختار أن يكون جزءاً من الحل، لا مجرد متفرج على الوجع.