لا يزال مرض الثلاسيميا من الأمراض الوراثية القاتلة التي يسعى الخبراء والمختصين إلى إيجاد حل لها، والحد من وفاة إناس كثر، وينطلق الثلاسيميا نتيجة طفرة جينية في الحمض النووي للخلايا التي تنشأ الهيموجلوبين. وبعد ذلك يصبح مرض الثلاسيميا وراثياً وينتقل من الآباء إلى الأبناء ما يؤدي إلى مخاطر كبيرة وصولاً إلى الموت. في نفس الصدد يعرف الثلاسيميا باسم آخر هو أنيميا البحر المتوسط وهو اضطراب وراثي في خلايا الدم، ينتج عنه انخفاض في الهيموجلوبين بالإضافة إلى ذلك انخفاض كبير في كريات الدم الحمراء في جسم الإنسان.
وتجدر الإشارة، أن حالات الإصابة تختلف شدتها بين مرض الثلاسيميا الصغرى والكبرى حيث إن النوع الأول يسبب بعض المشكلات الصغيرة، من أبرزها فقر دم بسيط يستطيع المريض متابعة إرشادات الطبيب والحد من آثاره، أما في حال الإصابة بالنوع الثاني الأشد خطراً على الإنسان عليه البدء بالعلاج فوراً.
في هذا الإطار، يصبح مريض الثلاسيميا بحاجة إلى إجراء عمليات نقل الدم بشكل منتظم وخلال فترة محددة، ولكن إن هذا العلاج يسبب زيادة الحديد في الجسم بطريقة كبيرة. بناء على ذلك يصبح المريض أمام مشكلات هائلة في القلب والكبد، وبالمثل حصول هشاشة العظاء إضافة إلى التضخم الكبير في الطحال. وبنفس الطريقة إن هذا المرض يسبب للأطفال حديثي الولادة انخفاض شديد في معدلات النمو بالإضافة إلى التأخر في الوصول إلى مرحلة البلوغ.
لابد من التأكيد، أن عدم القيام بعمليات نقل الدم إلى الشخص المصاب بمرض الثلاسيميا يؤدي إلى فقدانه العيش بطريقة سليمة، وجعله عرضة لمشكلات عديدة. من هذا المبدأ، لا يحتاج الكثير من المرضى إلى عمليات نقل الدم سوى الذين يعانون من مرض الثلاسيميا الكبرى، ولذلك ينصح باستخدام أنواع علاجية أخرى منها حمض الفوليك المميز الذي يسهم في إعادة خلايا الدم الحمراء بالإضافة إلى ذلك تجربة أنواع أخرى من العلاجات أبرزها ديفيرازيروكس وديفيروكسامين اللتان تتميزان بقدرتهما على جعل الجسم يتخلص من الكميات الكبيرة من الحديد.
ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل على العكس من ذلك عندما يصل الشخص المصاب بمرض الثلاسيميا إلى حالات الخطر الشديد، لا يبقى أمام الطبيب المتخصص سوى حل واحد البدء بإجراء عمليات زراعة خلايا الدم إضافة إلى الخلايا الجذعية. ولابد من الإشارة، أن بعد الجهد الدؤوب والعمل المستمر تمكن الخبراء من إيجاد علاج مناسب لمرض الثلاسيميا وتحقيق نقلة نوعية في عالم الطب والعلاج. في ضوء ذلك، أعلنت مدينة الملك عبد العزيز الطبية في الرياض، عن النجاح في الوصول إلى علاج جيني معدل وراثياً يدعى كاسكيفي تمت تجربته على طفل يبلغ من العمر ثلاثة عشر عاماً مصاب بمرض الثلاسيميا الكبرى باستخدام تقنية مبتكرة وهي التعديل الوراثي المعروفة باسم كرسبر.
من هذا المنطلق، شهدت تجربة علاج الطفل في مدينة الملك عبد العزيز الطبية نجاح بارز لم يسبق له مثيل، حيث إنها لم تعتمد على الأبحاث السريرية الشائعة منذ سنوات عدة، بل حاولت ابتكار علاجات فريدة تسهم من خلالها في إعادة رسم الابتسامة على وجوه المرضى، كما تمكنت مدينة الملك عبدالله الطبية عن طريق اكتشاف العلاج الجيني المذهل، من تعزيز مكانة المملكة على مستوى العالم وجعلها من الدول الرائدة عالمياً في الطب والعلاج. في الحقيقة أن هذه التجربة الرائعة على الطفل المصاب بمرض الثلاسيميا فتحت الباب أمام تقديم هذا العلاج لمصابين كثر نحو تحقيق الشفاء والعلاج لجميع المرضى.
اقرأ أيضًا: الندوة السعودية البحرينية لطب الأسنان 2024
كما عززت أيضاً، من استخدام هذا العلاج الجديد في علاج أمراض أخرى على سبيل المثال الأنيميا المنجلية. وهذا إن دلّ على شيء، إنما يدل على التزام المملكة بتطوير قطاعاتها المختلفة والنهوض بالابتكار والتميز نحو تحقيق رؤيتها لعام 2030. وفي واقع الأمر، أعطى هذا العلاج الجيني المبتكر الأمل لدى الأشخاص المصابين بمرض الثلاسيميا في أن الألم وضيق التنفس بالإضافة إلى الأعراض الأخرى من الممكن أن تنتهي وأن بإمكانهم بدء حياة جديدة خالية من مرض الثلاسيميا وتحقيق طموحاتهم والانطلاق نحو الأفضل.
في النهاية يمثل هذا العلاج الجيني المعدل وراثياً، خطوة هامة نحو بداية حقبة جديدة في علاج الأمراض الوراثية بالإضافة إلى تشجيع الخبراء والمختصين على التطوير المستمر لتقنية العلاج الجيني وابتكار علاجات متطورة، وصولاً إلى مستقبل واعد ينبض بالنجاح والتميز.
اقرأ أيضًا: ملتقى ريادة الأعمال والابتكار في الصناعات الطبية والدوائية 2024