شهدت مولات جدة ومراكزها التجارية نشر عدد من أجهزة الخدمة الآلية المتكاملة، منذ العام 2023، والتي تعمل بوصفها مكتبات إلكترونية تقدم خدمة الاستعارة المجانية في آن معاً، ولاقت الفكرة إقبالاً لافتاً واستحساناً ملحوظاً من قبل محبي القراءة، نظراً لسهولة استخدام هذه الأجهزة، إضافة لخيارات القراءة المتاحة.
تحمل هذه الأجهزة اسم مناول، وهي مشروع تنفذه هيئة المكتبات السعودية انطلاقاً من إيمانها بدور المكتبات الفاعل في المجتمع، لجعل القراءة عادة يومية عند أفراد المجتمع السعودي، وتوفير الخيارات المتنوعة التي تتناسب مع الأذواق والاهتمامات كافة.
وتدعم أجهزة مناول إستعارة الكتب على مدار الساعة، وبالتالي سيكون وصول المستفيدين إلى الكتب متاحاً في أي وقت يختارونه، والأمر ينطبق على عملية الإرجاع، واستعارة كتاب جديد، فالمعرفة متاحة وميسرة.
وتصنف مكتبات مناول على أنها مكتبات إلكترونية في آلية عملها، لكنها بالنهاية توفر الكتاب بنسخته الورقية، وبالتالي هي مكتبات ذاتية، ويعتبر نشر هذا النوع من المكتبات في مناطق المملكة كافة، أحد الأهداف الاستراتيجية لهيئة المكتبات السعودية، الرامية إلى تقديم خدمات المكتبات خارجها، وصولاً إلى الهدف الأساسي، ببناء مجتمع معلوماتي يثري المشهد الثقافي في المملكة، ويعزز اقتصاد المعرفة.
اقرأ أيضاً: قطاع الطفولة استثمار السعودية القادم
وتأتي مكتبات مناول في إطار تعزيز المشاركة المجتمعية للمكتبات، وتطوير كفاءتها التشغيلية، ويندرج نشرها في مسار تنمية قطاع المكتبات، للمساهمة في النمو الاقتصادي والتعليمي والاجتماعي والثقافي للمملكة، بما ينمي اقتصاد المعرفة وينجز أهداف التنمية المستدامة، كاستجابة لروية المملكة 2030.
ويعمل جهاز مناول عن طريق شاشة لمس متصلة بخادم إلكتروني، يوفر الوصول إلى آلاف الكتب المتنوعة بالمجان، بغرض تعزيز القراءة وتحويلها إلى نمط حياة جديد في المملكة.
أمّا فكرة المناول، فهي مستلهمة من إحدى الوظائف القديمة، والتي يعود تاريخ إحداثها للعام 170 للهجرة، أي حوالي 786 للميلاد، عندما كان أحد العاملين في مكتبة بيت الحكمة ببغداد، يقوم بجلب الكتب لطالبي العلم، وكان يدعى مناولاً، ووقتها احتلت مكتبة بيت الحكمة مكانة رائدة على المستوى الدولي، بوصفها منارة للعلوم والمعرفة على الصعيدين العربي والإسلامي، وكان يقصدها كل طالب علم، ويناوله المناول الكتب التي يتوق إلى التعرف على مكنوناتها، وهي وظيفة تؤديها في عصرنا الحاضر أجهزة مناول.
ويندرج نشر هذه الأجهزة في إطار التحول الرقمي الشامل الذي تشهده المملكة، وهنا تجدر الإشارة إلى أن خيارات القراءة المتوفرة في الأجهزة، يتم تحديثها بصورة دورية، وبالتالي ستوفر فرصة استثنائية لمحبي القراءة والمعرفة من التخصصات والاهتمامات شتى.
أمّا مراحل عملية الاستعارة، فجميعها متوفرة عبر تطبيق مناول الإلكتروني، الذي يتم تحميله على الأجهزة الذكية ومن ثمّ يستعرض القارئ الخيارات المتاحة، وبعد أن ينتقي أحد الكتب، يحدد وقت الاستلام ومدة الاستعارة، وعند الحضور لإرجاع الكتاب يكفي أن يضعه القارئ في الكوة المخصصة، وهنا يعمل الجهاز بطريقة آلية، ويمكن التأكد من إتمام العملية عن طريق التطبيق أيضاً.
وتوفر أجهزة مناول قائمة غنية من الكتب، تتوزع موضوعاتها على الأدب والتاريخ والدين والعلوم والتقنية والفنون وإدارة الأعمال والتنمية البشرية وغيرها من المجالات ذات الاهتمام النوعي والمشترك، وتتوفر إصدارات باللغتين العربية والإنجليزية، وتوفر مناول خدمة الوصول إلى الكتب والمواد المقروءة عن طريق الإنترنت، إضافة لاشتراك شهري وسنوي يوفر الوصول غير المحدود لهذه المواد.
ولن يجد مستخدموا أجهزة وتطبيق مناول أنفسهم وحيدين عند استخدامها، فهي مدعومة بنظام خدمة عملاء متطور، يقدم لهم كل ما يلزم من الدعم والتوجيه، إضافة للتوصية بخيارات القارئ التي تتناسب مع القارئ واهتماماته، ويتخذ القائمون على المشروع كل هذه التدابير، لتشجيع كافة أفراد وشرائح المجتمع السعودي على القراءة، عبر الحصول الميسر على كتبهم، في وقت تواكب المملكة التحول الرقمي والتقني الكبير في العالم وتعمل على ترسيخه في المجتمع.
وفي الختام تجدر الإشارة إلى أنّ الفكرة لاقت استحساناً واضحاً عند أفراد المجتمع السعودي، وهو ما تترجمه حالة الإقبال على المكتبات الذاتية، التي تعتبر فكرة خلاقة، تدمج مابين ماضي العرب الثقافي والتقنية المعاصرة، كبادرة مبدعة تسعى لردم الهوة بين المجتمع والكتاب في وقت تعصف فيه التقنيات الحديثة بكافة مفاصل الحياة المعاصرة، فجاءت المبادرة السباقة من هيئة المكتبات السعودية لإعادة الإنسان إلى روضة الكتاب الغناء وجذب عشاق المطالعة إلى المكتبات عامة ومكتبات مناول الذاتية خاصة.
اقرأ أيضاً: هل ستصبح مبيعات النفط السعودي باليوان قريباً؟