تتألق النساء السعوديات اليوم في مجالات لا تعدّ ولا تُحصى، من الفنون والجمال إلى العلوم والتكنولوجيا، مبرزاتٍ قوة وإبداع المرأة السعودية على الساحتين الخليجية والعالمية، ومن هؤلاء الملهمات، تبرز منال الضويان، المصورة السعودية التي حققت إنجازاً لافتاً بدخولها قائمة النساء الـ100 الأكثر تأثيراً لعام 2019.
منال الضويان من مواليد عام 1973 في الظهران، لمع اسمها منذ سنين في عالم الفن الفوتوغرافي السعودي، وهي تحمل درجتي ماجستير، الأولى في تحليل وتصميم النظم، والثانية في ممارسة الفن المعاصر من الكلية الملكية للفنون في لندن.
تعد منال رمزاً للحركة الفنية المعاصرة في السعودية، فقد شغلت سابقاً منصب المدير الإبداعي في شركة أرامكو السعودية لمدة عشر سنوات، كما عملت كمبرمجة نظم معلوماتية، ومن جانب الفن، شاركت في معارض دولية مرموقة، مثل بينالي البندقية في أعوام 2009 و2011، وبينالي برلين في 2010.
اقرأ أيضاً: لورلين علامة سعودية تنسج مسيرتها سارة وسهام البنعلي
نالت الفنانة المرموقة جائزة المرأة العربية السعودية لعام 2014 في فئة الفن، إضافة إلى جائزة الفنون البصرية من مبادرة الجوائز الثقافية الوطنية في عام 2023، وتتناول منال في أعمالها الفنية قضايا الهوية والثقافة والجندرية، حيث تبرز كفنانة تبحر في الوضع القانوني والاجتماعي للمرأة السعودية، وهي معروفة باهتمامها بتحديات المرأة السعودية في المملكة، ولكنها في الآونة الأخيرة حولت تركيزها نحو استكشاف روايات التاريخ السعودي.
واجهت منال الضويان تحديات كبيرة في بداية مسيرتها الفنية، خاصة في فترة كان فيها الفن المعاصر يفتقر إلى الدعم في المملكة العربية السعودية، درست تقنية المعلومات في لندن، لكن والدتها دعمتها سراً لتلتحق بدورات في الفن، ورغم عملها في شركة أرامكو، إلا أنها اختارت التفرغ للفن عام 2009.
كانت منال من بين الفنانين المشاركين في معرض «حافة الجزيرة العربية» في لندن عام 2008، وهو حدث بارز قدّم الفنانون السعوديون إلى جمهور عالمي، وفي عام 2011، عرضت أعمالها في معرض «أثر غاليري» بجدة، والذي أصبح أحد العلامات البارزة في المشهد الفني المعاصر بالمملكة، ومنذ ذلك الحين، أقامت منال معارض جماعية وفردية عديدة حول العالم، وتدافعت المتاحف الكبرى لاقتناء أعمالها.
اقرأ أيضاً: سارة السحيمي أول امرأة تترأس السوق المالية السعودية
من أعمال منال الضويان التي عززت مكانتها الفنية على الساحة العالمية، يبرز عمل «أنا»، ففي هذه السلسلة، طلبت من النساء السعوديات العاملات في مجالات متنوعة التقاط صور بالأبيض والأسود، مستلهمة الفكرة من خطاب الملك عبدالله حول دور المرأة في المجتمع، وعكست هذه الصور نساء يتولين وظائف تتطلب مهارات خاصة، بينما أضاف الحلي والنقاب والعناصر التقليدية بعداً عزز هويتهن كنساء سعوديات.
تشتهر منال الضويان أيضاً بأعمالها في الصوت والنيون والنحت، ومن أبرز مشاريعها التركيبات التشاركية «الهوا سوا» (2011) و«اسمي» (2012)، التي نتجت عن ورش عمل قدمت قنوات لآلاف النساء في المملكة للتعبير عن قضاياهن ومعالجة العادات الاجتماعية المجحفة.
«معلقون معاً» هو مشروع فني آخر يتناول وضع النساء السعوديات، إذ يتكون التركيب من 200 حمامة معلقة بأسلاك، تبدو وكأنها تحلق بحرية، في البداية، قد يُنظر إلى هذا العمل كزخرفة تحتفي بجمال الطيور، لكن سرعان ما يتجلى الواقع المأساوي: كل حمامة محصورة، تدور حول نفسها، بينما لا تتمكن الحمامات الأخرى من الطيران، بل تنقر على الأرض، ما يشكل كتلة متماسكة تشارك نفس الوضع.
يدفعنا هذا التركيب إلى التفكير في دلالات عنوان «معلقون معاً»، حيث يحمل معنى الحرمان، ويجسد تعبير «الحكم مع وقف التنفيذ»، حيث تُمارس السلطة دون تحقيق التقدم، كما يبرز شعور «الصور المتحركة المعلقة»، ما يوحي بأن الحياة في حالة جمود.
اقرأ أيضاً: نهى الحارثي تحصد جائزة المرأة العربية للعلوم والتكنولوجيا لعام 2024
ومن أحدث مشاريع منال الضويان الفنية، عمل «نطقت الرمال فتحرك الصوت» 2024، وهو عمل فني يتجلى في منحوتة ناعمة تمتد عبر كامل قاعة أرسينالي، تمثل «الشاعر»، المحفز للرقص التقليدي، وفيه يتردد صوت أغنية المعركة على الجدران المحيطة بالمنحوتة، حيث يحتل الصوت مساحة الراقصين، ويخلق تفاعلاً ديناميكياً بين الشكل والصوت.
تجسد أغنية المعركة هذه صوتاً عميقاً وشاعرياً، يتم إنتاجه من خلال ورش عمل تشاركية تُعقد في جميع أنحاء المملكة العربية السعودية، حيث تؤدي مئات النساء هذه الدندنة، التي تتناغم مع همهمة الكثبان الرملية في الربع الخالي.
كل هذه الأعمال وأكثر بكثير عُرِضت إقليمياً ودولياً في مؤسسات مرموقة، منها الشارقة للفنون بالإمارات العربية المتحدة (2016) ومعرض سانتاندير للفنون في مدريد (2016)، إضافة إلى مشاركتها في «أمريكان بينالي، بروسبيكت نيو أورليانز» بالولايات المتحدة (2014)، ومتحف غوانغجو للفنون في كوريا الجنوبية (2014)، والمتحف العربي للفن الحديث في الدوحة (2014)، ومتحف فيكتوريا وألبرت في لندن (2013).
كما مثلت الفنانة المميزة بلدها في النسخة الستين لبينالي البندقية 2024، وعكس الجناح الوطني السعودي حينها موضوع البينالي «أجانب أينما حللنا»، وركزت الضويان في عملها على المرأة ومكانتها وصوتها مع التغيرات الحاصلة في السعودية، إضافة إلى ذلك، تُحتفظ أعمالها ضمن مجموعات في متحف لويزيانا للفن الحديث، ومتحف «هومليبيك» في الدنمارك، والمتحف العربي للفن الحديث في الدوحة، والمتحف البريطاني في لندن.
هذه النجاحات المشرّفة والإبداعات الرائدة للفنانة منال الضويان، تُبرز قدرة المرأة السعودية على تحقيق التميز وترك بصمة مميزة في المجالات المختلفة، ورواية حكايات النجاح التي تُلهم الأجيال القادمة للسعي نحو التغيير والإبداع.
اقرأ أيضاً: فاطمة الحربي أفضل امرأة بالعالم بمجال الأمن السيبراني