مصممة أزياء، معلمة، أمّ لسبعة أطفال، وناشطة مجتمعية… هنيدة الصيرفي واحدة من الأسماء اللامعة في مشهد الموضة السعودي، ومثال حيّ على كيف يمكن للشغف أن يتحول إلى رسالة ملهمة.. فمن هي هنيدة الصيرفي، وما هي أهم إنجازاتها؟
هنيدة الصيرفي وبداية الشغف
منذ طفولتها بدأ شغف المصممة السعودية هنيدة الصيرفي بالأعمال والمواهب المختلفة، فقد انخرطت في العمل منذ سنّ مبكرة ضمن مشاريع العائلة، إذ تربّت في بيت يهتم بالفن والثقافة، وكانت والدتها مؤرّخة في مجالي الموضة والفن وناشطة في العمل الخيري، ما شكّل عندها خلفية غنية أثّرت في وعيها الفني والاجتماعي وانعكس في توجهاتها التصميمية.
درست هنيدة الفنون الجميلة في السعودية، ومن بعدها انتقلت إلى باريس لتتخصص في تصميم الأزياء، حيث صقلت ذوقها الفني، وقبيل تخرجها، أطلقت أولى مجموعاتها باسم “الحديقة السرية”، والتي شكّلت انطلاقتها الأولى نحو تأسيس علامتها الخاصة
ولكنها ورغم دراستها المتعمقة، لم تكتفِ بتصميم الأزياء، فهي نحّاتة وشاعرة، ولها نشاطات مهمة في تأسيس منظمات غير حكومية والمشاركة في مجالس إدارات، كما أسهمت في إطلاق برامج أكاديمية لتصميم الأزياء داخل السعودية، وأسهمت في بناء جيل جديد من المصممات السعوديات، مؤكدةً أن التمكين يبدأ من الإيمان بالقدرة على التغيير.
ومنذ انطلاق علامتها الخاصة عام 2016 باسم “Honayda”، استطاعت الصيرفي أن ترسّخ مكانتها كواحدة من أبرز المصممات في المنطقة، حيث حجزت لنفسها مقعداً دائماً في عواصم الموضة العالمية، وأثبتت أن للهوية السعودية مكاناً متقدماً في ساحات الإبداع الدولية.
وتقدّم هنيدة الملقبة بـ”سفيرة الأزياء السعودية” من خلال علامتها الخاصة قطعاً تحمل طابعاً فنياً مستوحى من الثقافة العربية والسعودية، وقد لاقت تصاميمها رواجاً واسعاً، وظهرت على السجادة الحمراء وفي مناسبات عالمية، وارتدتها نجمات بارزات مثل بريانكا شوبرا ،نيكي ميناج، لورين جيرمان وأنغام.
وعموماً، تستلهم هذه المصممة الرائدة تصاميمها من شخصيات النساء اللواتي ألهمنها في حياتها، سواء من التراث الشعبي أو من تجاربها الواقعية، وترى أن هذا الإلهام هو نقطة انطلاقها، إذ تؤمن بأن لكل امرأة دوراً ورسالة يجب أن تنقلها مهما كانت مكانتها في الحياة.
وفي إحدى حواراتها، أكدت الصيرفي أن أكبر مصدر إلهام لها هو بيئة السعودية التي نشأت فيها، وطبيعتها الغنية بالثقافة والتاريخ، وقالت: “السعودية موطن الجمال والثقافة والتاريخ، ومن يتأمل التاريخ العربي بفنونه وذائقة أهله، يجد عشرات المؤثرات والثروات الثقافية الملهمة”.
اقرأ أيضاً: كيف تساهم المصممات السعوديات في نهضة الأزياء وتحقيق رؤية 2030؟
وصولها إلى العالمية
مثّلت هنيدة الصيرفي المملكة في عدد من المبادرات الثقافية والتنموية، وحظيت باعتراف واسع في صناعة الأزياء العالمية من خلال الجوائز والتغطيات الإعلامية، إضافة إلى دورها في المجالس الاستشارية والإدارية.
ففي عام 2018، اختارت منظمة اليونسكو مجموعة من تصاميمها لتكون الملابس الرسمية لسفيرة المنظمة في باريس، كما ظهرت على غلاف مجلة فوربس، وتم إدراج اسمها لعامين متتاليين ضمن قائمة “أفضل 100 امرأة في مجال العلامات التجارية في الشرق الأوسط”.
وتشغل الصيرفي عضوية مجالس إدارة عدة، منها شركة “الصالحات القابضة”، وشركة “فاد العالمية”، وجمعية “الأولى” الخيرية، كما تشارك في عدد من المنظمات غير الحكومية المعنية بقضايا المرأة والتعليم والصحة، وتلعب دوراً أكاديمياً كمحاضِرة في برامج تصميم الأزياء بعدة جامعات سعودية.
وفي عام 2023، وفي سياق توسعها العالمي، تعاونت الصيرفي مع دار المجوهرات الفاخرة شوبارد، في شراكة وصفتها بأنها “تتويج لرؤية مشتركة” مع كارولين شوفوليه، المديرة الفنية للدار، والتي جمعت بين تمكين المرأة والتعبير عن فلسفة حياة قائمة على السعادة والإنجاز، وقد ساهم هذا التعاون في تعزيز حضور اسم علامتها الخاصة على الساحة العالمية، وفتح آفاقاً جديدة نحو جمهور أوسع.
مجموعات هنيدة الصيرفي
ذكرنا في البداية أن هنيدة أطلقت أولى مجموعاتها قبيل تخرجها، وكانت بعنوان “الحديقة السرية”، التي استوحتها من علاقتها العميقة بوالدتها وتجربتها كامرأة حجازية، وقد تجسدت ملامح التراث الحجازي في الطبعات، والقصات، واختيار الأقمشة.
أما مجموعة “طائر الهدهد”، والتي أطلقتها في أسبوع باريس للموضة، فكانت قد استلهمتها من شخصية بلقيس، ملكة سبأ، ووصفتها هنيدة بأنها احتفاء بالجمال والرقي، وتجسيداً لصورة المرأة المثقفة الواعية بتاريخها، وعبّرت بقولها: “النساء عبر التاريخ كنّ وما زلن صاحبات جاذبية وذكاء. هذه الصورة أحاول اختزالها في كل تصميم”.
وفي “الحب والحرب”، عادت الصيرفي إلى قصة عبلة وعنترة، لتستوحي من عبلة رمز القوة والمواجهة، إذ وثقت ذلك عبر تصاميم المجموعة مقاومة عبلة للعنصرية، مدفوعة بقوة الحب.
وحققت علامة “هنيدة” إنجازاً تاريخياً من خلال إطلاق مجموعة “كوزمو” في متجر Saks Fifth Avenue الشهير في نيويورك، كأول علامة سعودية تُعرض فيه، وقد رأت الصيرفي في هذه الخطوة نقلة مهمة لدعم حضورها في الأسواق العالمية، وإيصال رؤيتها الإبداعية إلى جمهور جديد.
وكانت هذه المجموعة عبارة عن تحية إلى نساء بارزات، منهن عالمة الفلك السورية مريم الأسطرلابية، ورائدة الفضاء السعودية ريانة برناوي، فقد استلهمت منهما تصاميم حالمة مستوحاة من الكون والنجوم والمجرات، مزجت فيها بين التكنولوجيا والتفاصيل الفنية، لتخلق إطلالات غامضة، أنثوية، وراقية.
ختاماً، من خلال مسيرتها المليئة بالإبداع، تثبت هنيدة الصيرفي أن المرأة قادرة على كسر الحواجز والارتقاء بإبداعها إلى آفاق جديدة، لتكون مصدر إلهام وقوة لكل من حولها.
اقرأ أيضاً: سعودي فاشن قبلة لمصممي الأزياء الدوليين!