اليومَ لسنا أمامَ لقاءٍ تقليديٍّ، بل أمامَ تجربةٍ أشبهُ بمغامرةٍ فكريةٍ، لا أحدَ يعلمُ أين سينتهي الحديثُ، لكنّ من المؤكدَ أننا سنخرجُ بفهمٍ جديدٍ لما يحيطُ بنا، من خلال صوت ألفناه واعتدنا أن يرافق رحلاتنا إنه المعلق الصوتي الأستاذ وائل حبّال.
فمن هو وائل حبّال في عمقِ هذا الغموضِ من العالم؟
استعدوا للدهشة، فقد بدأت رحلتنا…
ما هو أول شيء علّقت عليه بصوتك ولم يكن احترافياً، ولكنك كنت فخوراً به؟
أول عمل غير احترافي قمت بالعمل والتعليق عليه هو قصيدة للشاعر نزار قباني بعنوان “عيناكِ”، وما زلت فخوراً به حتى اليوم، حينها لم يكن الهدف من العمل هو الصوت بقدر ما كان إمكانات المايكروفون، لذا أشعر أن لهذه القصيدة حتى اليوم خصوصية كبيرة لديّ.
كيف كان رد فعل الناس عندما سمعوا صوتك لأول مرة؟
أول عمل لي كان فيه نوع من صدق البدايات والهوايات، لأنه عندما يبدأ الإنسان باكتشاف موهبة ربانية، غالباً ما تترك هذه البداية أثر عميق على الشخص بإيجابياته وسلبياته، وهذه من أهم نقاط النجاح، وعندما نبدأ باكتشاف مواهبنا وممارستها يكون لدينا مساحة ذكريات لا تُمحى. وبالفعل أول قصيدة تُطلب مني لحد الآن من الأصدقاء، لأنها كانت صادقة ومليئة بالمشاعر على الرغم من قلة الخبرة.
ما الحدث أو الشخص الذي ألهمك لتدخل عالم التعليق الصوتي؟
منذ أيام جامعة دمشق في التسعينات والحفلات التي تقام فيها، كنت دائماً أحمل المايكروفون للتعريف على شخص ما أو تسجيل الصوت، كل ذلك ولم يكن في بالي وجود مهنة تُعرف بالتعليق الصوتي، كنا فقط نشيطين في المسرح الجامعي وكنت أشارك فقط لأن صوتي جميل بشهادة الجميع، دون أن تكون لدي أي فكرة بأنني سأصبح معلّق صوتي.
ولكن بدأت القصة بجدية عندما جاء مستر وورلد، المؤسس لـ CNBC بدبي، وسمع قصيدة عيناكِ نهري أحزان بصوتي، دخل الاستوديو الذي كنت أسجل فيه وسألني عن صوت الشخص في التسجيل، باللغة الإنكليزية فهو لا يتكلم بالعربية، أخبرته أنه صوتي، وعلى الفور قال أنت ستكون الصوت الرسمي لـ CNBC عربية، وهذه كانت أول خطوة فعلية أمام مهنتي بالتعليق الصوتي في عام 2003.
هل تذكر أول مرة سمعت صوتك مسجلاً؟ وكيف كان شعورك حينها؟ خاصة وأن أغلب الأشخاص لا يحبون سماع أصواتهم مسجلة
برأيي أن أي شخص يقيّم صوته عبر وسائل غير صحيحة يخسر صوته. على سبيل المثال، عندما يسمع الشخص صوته على الواتس آب، وعلى الرغم من أهميته، لكن ليس مهمته تقييم الأصوات، فهو يقوم بمضغ الصوت والتقليل من ثقله وتفاصيله الجميلة لإرساله بخفة إلى الطرف الآخر، ولكن بالطبع أن أقيّم صوتي عبر الواتس آب أو تطبيقات مشابهة فهو أمر كارثي، يجب تقييم أصواتنا عبر وسائل احترافية، لأن الصوت مرآة الروح، لا يظهر ألقها وكمالها إلا عبر وسائل صحيحة.
وعموماً كنت حذر بمحبة صوتي، وكنت توّاق لأن يسمع الناس المقربين وبعدهم المختصين، ولكن بالطبع كنت أجد متعة بعملية التسجيل ككل ليس بصوتي فقط، وكانت تأتيني بعض الانتقادات من الخبراء، مثل الأستاذ عبد القادر يوسفي رحمه الله، حينها كنت انتقلت من CNBC إلى قناة العربية وكان يتابعني دوماً عندما يسمع صوتي ويتصل بي ليعطيني رأيه، وهذا أعطاني دافع دوماً للتحسين والتقدم، وعندما قل النقد مع الوقت أصبحت صادقاً بشكل أكبر مع صوتي.
ما هو أكثر نقد تلقيته في بداياتك، و أثر على مسيرتك؟
لغتنا العربية قوية ولها رهبة عند التحدث بها، بفترة من الفترات أخذت دروساً عند أستاذ باللغة العربية لأنها شكلت عندي عائقاً في البدايات، فعندما فتحت قناة على اليوتيوب كنت أتلقى العديد من الانتقادات في اللغة، ولا يمكن تعديلها لذا كنت أعتذر عن أخطائي دوماً، ولكن الآن أصبح لدينا مدققين لغويين لضمان عدم الخطأ.
الآن بعد أن بات اسم وائل حبّال معروفاً، هل يوجد انتقادات حتى اليوم؟
لا، ولأكون صريحاً فإن مشروع “غوغل مابس” شكل فارق كبير وتحول الأمر لشهرة لم أكن أتوقعها، بدأت فيه 2011، وفي 2012 أصبح أونلاين، وكنت مسؤولاً عن النسخة العربية منه حتى بالتدقيق اللغوي، ولا يوجد فيه أي خطأ لغوي وهذا ما أفخر به لأنني أخلصت بالعمل به منذ البداية.
لو عدت بالزمن لليوم الذي قررت فيه أن تكون معلقاً صوتياً، ما النصيحة التي كنت ستقدمها لنفسك؟
نصيحة كنت سأقدمها لنفسي الماضية، قلل خوفك من آراء الآخرين، وثق بنفسك وقدرتك على إنجاز أمر عظيم دون الاستعانة بعدد كبير من الأشخاص غير الخبراء بالتعليق الصوتي كعلم.
هل سبق أن تم استخدام صوتك في مشروع دون علمك؟ وكيف تصرفت؟
استخدموا صوتي مرة بالذكاء الاصطناعي للترويج لدورات تدريبية، لم أشعر أنها إهانة لكن شعرت أن الأمر أصغر من التحدث به.
ما هو الشيء الذي تعرفه عن عالم التعليق الصوتي ولم تشارك به أحداً من قبل؟
أنا كتاب مفتوح، أشارك كل ما أعرفه عن التعليق الصوتي مع طلابي لأن هذا العلم ليس له أسرار ولكن له منهج ودراسة، ولكن السر أن تحافظ على الموهبة التي وهبك إياها الله، فلا يوجد صوت يشبه الآخر في الكرة الأرضية وهذا جمال المهنة.
هل سبق أن واجهت نصاً كنت مضطراً لتعليقه رغم أنك لم توافق على مضمونه؟ ما هو النص وكيف تعاملت معه؟
رفضت نصوص بسبب خطوط حمراء أنا أؤمن بها، فنحن نربي أجيال وكل كلمة تقال منا تؤثر عليهم، فالكلمة مسؤولية، وأحد النصوص الذي رفضت التعليق عليه كان إعلاناً عن السجائر.
ما هي أغرب معلومة تعلمتها أثناء البحث عن الأحداث التي ترويها؟
كنا نقرأ برنامج وثائقي “على خطى العرب” وإحدى المعلومات التي لفتت انتباهي أن موقعة ذي قار يعتقد أنها في العراق، ولكن عالم الإنثروبولوجيا أكد أنها وقعت في أرض بشبه الجزيرة العربية، وهي منطقة لم تطأها قدم من قبل، وحتى اليوم هي منطقة خام لم تُكتشف وهذا أمر أثار دهشتي، فهناك أشياء رائعة تحدث في هذا الكوكب.
لو كان بإمكانك إعطاء صوتك لشخصية أسطورية فمن تختار ولماذا؟
إذا رغبت بإعطاء صوتي لشخصية أسطورية سأختار خالد بن الوليد، أظن هذه الشخصية العظيمة إذا سجلت صوتي على شخصيته في عمل درامي سيكون أمر جميل.
لو كان صوتك أداة موسيقية، فكيف ستصفها؟
أختار التشيللو، بإمكانه أن يفرحنا ويحزننا في آن معاً.
إذا طُلِب منك التعليق على حدث في المستقبل، ماذا تتوقع أن يكون؟
انتقل المواطن السوري إلى الدار البيضاء دون شروط، ثم انتقل إلى المملكة العربية السعودية ورُحِّب به، وعاد عوداً حميداً إلى دمشق المنيرة كما كانت منذ آلاف الأعوام، أتمنى في المستقبل القريب أن يرحَّب بنا في كل مكان فنحن أهل لذلك.
لو كانت الكلمات التي تقولها تتحول إلى ألوان، كيف ستكون ألوان تعليقاتك؟
لن تكون نظرة ملونة، فنحن أولاد هذا المجتمع وهذه الحقبة، معظم النصوص والأشعار تميل إلى الماضي والأطلال ومن ثم فترة معاناة كورونا وكيف نتخطى هذه الفترات، لذا لن تكون هذه النصوص ملونة على أمل أن يكون المستقبل أفضل وتتوسع مساحة الألوان في نصوصنا.
أتوقع جوابك سيكون إيجابي عن الذكاء الاصطناعي من جانب أنه لا يشكل تهديد لمهنة الإعلامي أو التعليق الصوتي، لكن السؤال، كيف ستمنحه الثقة وتحمي نفسك منه؟
الذكاء الاصطناعي يشبه التسونامي، فُرِض بقوة في حياتنا، ولكن هنا في الإمارات نتطلع أنا ومجموعة من المعلقين الصوتيين لتسجيل أصواتنا كملكية فكرية، وعند استخدامه من أي جهة في العالم يصبح موضوعاً يقع تحت طائلة القانون، ولكني أرى بأن أي شركة محترمة لن تقبل بسرقة صوت حتى لو ذكاء اصطناعي، ولكن يمكن أن يكون هناك عقد متفق عليه مع شركة معينة وهنا يمكن استخدام الصوت بدون مسؤولية قانونية، وبالنسبة لي أرفض هذا الأمر.
إذا طلبت منك تسجيل رسالة صوتية تُسمَع بعد 100 عام، ما الذي ستقوله فيها؟
أقول فيها: يا ابن آدم كنا نعيش هنا قبلكم، بنينا حضارة أخفقنا في كثير من مناحيها، نتمنى أن تكونوا قد وصلتم إلى مرحلة إصلاح كل ما دمرناه، بداية منا كبنية إنسانية وصولاً لكل ما تستخدمه هذه البنية الإنسانية، وأن تعود الحضارات الرائعة لما كانت عليه في الماضي.
ما هو الشيء الذي تتمنى أن يتذكره الجمهور دائماً من وائل حبّال؟
هناك أعمال لي ستكون مسموعة، منها أحد الأصوات المعتمدة من هيئة الحرمين الشريفين والتي تساعد المعتمرين الجدد وتعطيهم المعلومات الكافية للحج والعمرة، على صعيد آخر يوجد غوغل مابس، أتمنى أن يكون لدي ذكر طيب عند سماع صوتي في هذه المشاريع.
إذا اختُصِر اسم وائل حبّال في كلمة واحدة تُلهم الجيل القادم من المعلقين الصوتيين، ما هي تلك الكلمة ولماذا؟
التزم بمساحتك، اكتشفها حتى النهاية لتصل إلى النتيجة التي تتمناها ومنها تصل إلى سعادتك، وهذا الأمر سهل على الإنسان الشغوف المؤمن بموهبته وشغفه مهما كان هذا الشغف.
اقرأ أيضاً: بن فرحان من دمشق: ملتزمون بدعم سوريا وسيادتها
أعدّت الحوار وأجرته: يانا العلي