في الثاني والعشرين من شباط/فبراير الجاري، احتفلت المملكة العربية السعودية بيوم التأسيس، تلك الذكرى التي تجاوزت كونها مناسبة وطنية لتصبح رمزاً لإرثٍ ممتدٍّ عبر ثلاثة قرون، بدأه الإمام محمد بن سعود عام 1727، حين وضع اللبنة الأولى لقيام الدولة السعودية الأولى، ليُرسي بذلك الأساس الذي قامت عليه مراحل بناء الوطن حتى صار إلى مجده الحالي.
غمرت الاحتفالات المدن والمناطق، وارتدى السعوديون أزيائهم التراثية، وتجسدت هويتهم في الفعاليات الفنية والثقافية التي نقلت الحضور في رحلة عبر الزمن، تناغمت فيها أهازيج الماضي مع نبض الحاضر، في محاولة لتأكيد الجذور التي تربط السعوديين بقادتهم منذ تأسيس الدولة السعودية الأولى وعاصمتها الدرعية.
ولم يكن الاحتفال بيوم التأسيس مجرد استرجاع للذكريات، بل كان نافذةً للتأكيد على دور العديد من القادة عبر تاريخ المملكة، فمن الإمام محمد بن سعود الذي خطَّ بداية المسيرة، إلى الإمام تركي بن عبد الله مؤسس الدولة السعودية الثانية، وصولاً إلى الملك عبد العزيز، الذي وحَّد البلاد وأطلق نهضتها الحديثة.
«ذاكرة الأرض»
وامتلأت المدن السعودية بفعاليات ثقافية وفنية استثنائية، أضاءت جوانب مختلفة من التاريخ السعودي، وشهدت المناسبة إقبالاً واسعاً من المواطنين الذين عبَّروا عن فرحتهم واعتزازهم بالهوية الوطنية من خلال المشاركة في العروض والمهرجانات التي جسَّدت مختلف المراحل التي مرت بها البلاد.
اقرا أيضاً: بوريس جونسون: السعودية سبقت بريطانيا!
ومن بين أبرز الفعاليات، قدَّمت وزارة الثقافة تجربة تاريخية فريدة بعنوان «ذاكرة الأرض»، وهي رحلة عبر الزمن تروي قصة التأسيس منذ لحظة انطلاقها وحتى ملامح الحاضر، وخلال هذه التجربة، استمتع الزوّار بجولة تفاعلية بين أروقة التاريخ، وتعرَّفوا على الأحداث والشخصيات المؤثرة، واستكشفوا الأزياء التقليدية والعناصر التراثية التي شكَّلت ملامح كل حقبة زمنية.
كما كان لمسرح الفنون الشعبية دور بارز في نقل الأجواء التراثية من خلال عروض حية للفنون الأدائية التي تُعبِّر عن تنوّع الثقافة السعودية.
يوم التأسيس: خلفية تاريخية
يشار إلى أنه في منتصف القرن الخامس الميلادي، استقر بنو حنيفة في منطقة اليمامة بوسط الجزيرة العربية، مؤسسين ما سمي حينها مملكة اليمامة التي أصبحت جزءاً من الدولة النبوية عند ظهور الإسلام، ومع مرور الزمن، شهدت المنطقة حالة من الاضطراب والتفكك بعد انتهاء الخلافة الراشدة، وفي عام 850هـ/1446م، قدم الأمير مانع بن ربيعة المريدي إلى المنطقة وأسس مدينة الدرعية، التي أصبحت نواةً لتأسيس الدولة السعودية الأولى.
لاحقاً لذلك، تولى الإمام محمد بن سعود حكم الدرعية في عام 1139هـ/1727م، حيث نجح في توحيد شطريها وتعزيز الاستقرار فيها، وعمل على حماية طرق التجارة والحج، ونظّم الأوضاع الاقتصادية، مما أسهم في ازدهار المنطقة وتوسع نفوذها، واستمرت الدولة السعودية الأولى حتى عام 1233هـ/1818م، محققةً وحدة واستقراراً في معظم أنحاء الجزيرة العربية.
اقرأ أيضاً: موقف السعودية من شرب الخمور في كأس العالم 2034
وفي 27 يناير 2022م، أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود أمراً ملكياً يقضي باعتبار 22 شباط/فبراير من كل عام يوماً لذكرى تأسيس الدولة السعودية، يُعرف بـ «يوم التأسيس»، ويُعد إجازة رسمية في المملكة.
«يوم التأسيس» و«اليوم الوطني»
ختاماً، يُميّز بين «يوم التأسيس» و«اليوم الوطني» في المملكة العربية السعودية من حيث المناسبة والتاريخ، فيوم التأسيس (22 فبراير)، يحتفي بذكرى تأسيس الدولة السعودية الأولى على يد الإمام محمد بن سعود عام 1727م كما أوضح المقال سابقاً، أمّا اليوم الوطني (23 سبتمبر)، فهو يُخلّد ذكرى توحيد المملكة وتأسيسها بشكلها الحديث على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود عام 1932م.